الهـروب من سـطـوة الجماعـة .. !
حسين الرواشدة
23-10-2016 12:37 AM
بعد انتظار طويل خرج حكماء الاخوان عن صمتهم واشهروا حزبهم، لم تكن المسالة مفاجئة، فما حدث كان نتيجة طبيبعة للانفجار الذي تعرضت له الجماعة، مثلما كان – ايضا – استحقاقا سياسيا للظروف والتحولات التي يمر بها بلدنا والمنطقة.
الان، لا جدوى من طرح اسئلة مثل : من اصاب ومن اخطأ، او هل يمكن اعادة عقارب ساعة الجماعة للوراء، او من يتحمل مسؤولية ما جرى، فهذه الاسئلة اصبحت من الماضي، والمهم ان نتوجه الى الحاضر والمستقبل لكي نعرف ما يمكن ان نفعله، وليس فقط ان نفهم ما فعلناه.
حين ندقق في المشهد نجد امامنا اربع كيانات حزبية انطلقت من داخل تنظيم الاخوان، اثنان تمردا عليه ( الوسط وزمزم ) وواحد ما زال يدور في فلكه ( جبهة العمل )، ورابع لم يحسم امره بعد (الانقاذ)، نجد ثانيا جماعتين، احداهما مغلقة تحاول استعادة ( شرعيتها )، والاخرى مفتوحة تحظى بشرعية قانونية لكنها بلا زبائن، نجد ثالثا ان وزن هذه الكيانات في الشارع كما ظهر في الانتخابات البرلمانية ما زال متواضعا، ( 10 مقاعد لحزب الجبهة وثلاثة لزمزم واثنان للوسط )، نجد رابعا ان الكيانات الحزبية الثلاثة تحديدا التي افرزتها ازمة “ الجماعة “ الاخيرة دخلت في مارثون السباق للوصول الى المجتمع والسلطة من خلال بوابات متعددة، فحزب الجبهة يحاول من خلال “ التصالح “ مع الدولة، وحزب البناء زمزم من خلال التمرد على منطق الاسلام السياسي في صورته التقليدية، اما حزب الانقاذ قيد الترخيص فمن خلال بوابة “ الشراكة “ الوطنية، لا يمكن بالطبع التمييز بين هذه البوابات الثلاث بدقة نظرا لما بينها من اوجه تشابه، لكن يبقى ان ندقق فيما اذا بعضها يدرج في زاوية التكتيك ام الاستراتيجيا، ام في ما اذا كان بعضها مجرد محاولة “ للتكيف “ ام محاولة “ للهجوم “ او محاولة للتأسيس والخروج الى افق وطني حقيقي جديد.
المشترك الابرز بين “ النسخات “ الحزبية الجديدة التي انطلقت من داخل رحم “ الاخوان “ هي الهروب من “ التنظيم “ الذي كان يحكم سيطرته حين كانت الجماعة تتمتع بالعافية والتأثير، وهو هروب اشبه ما يكون بالتمرد حتى بالنسبة لحزب الجبهة الذي كسر “ تابوهات “ عديدة كانت الجماعة تتمسك بها، هذا قد يكون مؤشرا على مسالتين : احداهما تتعلق بالشعرة “ التي تفصل بين التنوع والانقسام فيما حدث، واهمية معرفة ذلك انها تمنحنا الحكم على النتائج، فاذا افترضنا انا ما حدث في اطار التنوع يمكن ان نطمئن الى النتيجة، بعكس ذلك فان الانقسام سيعني خسارة الجميع، اما المسالة الاخرى فهي تتعلق بالاسلام السياسي، حيث يبدو ان هذا المفهوم الذي كان محركا لعمل الجماعة تراجع لمصلحة “ الشراكات “ الوظيفية والتحالفات العابرة للشعار الديني والدعوي، وهذا، بحد ذاته انجاز، لان الخروج من سجن “ الاسلام “ السياسي نحو “ المشترك “ الوطني، سيتيح للجميع مساحات اوسع للحركة والتاثير، لكن المهم ان يكون هذا الخروج تحولا حقيقيا لا مجرد استجابة طارئة لظروف معينة،
في اطار اللباقة، التي يقتضيها الاحترام والتقدير لاخواننا حكماء “ الاخوان “ الذين قرروا انشاء الحزب، لا اجد الا ان ادعو له بالتوفيق، لكن لدي ملاحظتان، او هاجسان ان شئت، الاول اني اخشى ان يتكرر مع الاسلاميين ما حصل مع القوميين واليساريين الذين انتهت تجربتهم في الخمسينات الى ما نراه اليوم بعد ما حدث داخلهم من انقسامات، اما الاخر فهو انني اخشى عليهم من تطاردهم “ لعنة” الديموغرافيا، بحيث تتحول الاطر التي انشأوها من دائرة الاطار الوطني الجامع الى دائرة الاطار الفرعي المغشوش، ليس فقط لان هذه اللعنة “كارثية” دائما وانما لان ما نراه امامنا يحمل بذورا لتفكيك كل شيء، كما يحمل مشروعات جاهزة لفرض وقائع جديدة على بلدنا وخاصة في علاقته مع القضية الفلسطينية.
يبقى سؤال اخر هو : هل ما جرى على ضفة الاسلاميين اضافة ومكسب ام هروب وخسارة ؟ لا اريد ان اجيب ولكن اتمنى ان تكون تجربة قابلة للتقويم وان تكون النتيجة في مصلحة البلد، فهذا كل ما نريده بغض النظر عما يراودنا من مخاوف وما نراه من اشارات خطر هنا وهناك.
الدستور