facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدونية وعدم الاستحقاق


د. صباح حراحشة
22-10-2016 01:07 PM

واقع الحال الذي نعيشه اليوم بات يحاصرنا في زاوية ضيقة ويحكم علينا الخناق، فطموحاتنا لوطننا اليوم تكاد تنحصر بتحقيق أبسط ضرورات العيش الكريم، كراتب يكفي المواطن قهر الدين ومذلة السؤال، أو عمل بسيط لشاب معطل الطاقات والقدرات، أو تعليم يرتقي بأبنائنا ليمكنهم من التماهي مع المرحلة العلمية المتطورة التي يمر بها العالم من حولنا حتى لا يفوتهم ركب الحضارة ويغادرهم إلى غير رجعة بعد أن تتسع الفجوة بينهم وبين ما يحصل في العالم من حولنا والذي بتنا رغماً عنا جزءاً لا يتجزأ منه بعد أن تلاشت المسافات المترية والزمنية بين شعوب الكرة الأرضية. أو ربما تقلصت طموحاتنا لتصل لمرحلة لا نريد فيها إلا تنظيف وإصلاح الطرق التي تفنن حافروها بإفسادها، أو إنارة الشوارع ليلا لأن إنارتها نهارا حدث يتكرر دون حسيب أو رقيب باستمرار. هل بتنا لا نملك ترف المطالبة بمكتبة أو حديقة؟ هل أصبح الحصول على مسرح لكل محافظة أو متحف يحترم إرثنا التاريخي مجرد وهم أو ضرب من ضروب الخيال؟

الواقع الذي نعيشه اليوم لم يصبح واقعا بالصدفة، بل هي سياسة عدم الاستحقاق التي مورست علينا منذ زمن بهدف سحق أحلامنا وطموحاتنا، فنحن على سبيل المثال لا نستحق أن يتعلم أولادنا في مدارس ذات بيئة صحية، تتوافر فيها التدفئة والمرافق الصحية والمقاعد المريحة والإنارة الجيدة والأسوار غير الآيلة للسقوط فوق فلذات أكبادنا لتقتل طفولتهم. لقد فقد التعليم هيبته داخل مبان لا تليق بقدسيته، ففي مدارسنا الحكومية قاومنا الصقيع الذي نخر عظامنا، وسددنا النوافذ المكسورة بالأوراق والأقمشة، وانتظرنا العودة لمنازلنا بفارغ الصبر لتكون دورات المياه هي أول من نلقي عليه التحية كل يوم بعد أن استحال استخدام دورات المياه في مدارسنا. ورغم ذلك احببنا المدرسة وعشقنا العلم ونهلنا منه بنهم كل ما توفر لنا، ولكننا أشفقنا على أولادنا من الخوض في هذه التجربة القاسية، فدفعنا كل ما في جيوبنا للمدارس الخاصة، لينعم أولادنا بشيء من الدفء وشيء من البيئة النظيفة، ولكن هذا الترف لم يستحقه إلا بعض القادرين على دفع ثمنه الباهظ.

وهذا ينطبق أيضا على الرعاية الصحية، فإذا أردت الحصول على خدمات تليق بإنسانيتك فعليك أن تدفع الثمن أيضا، وإذا لم تمتلك هذا الثمن فأنت لا تملك حتى حق الاعتراض أو التذمر مما يقدم لك، بل اشكر ربك على هذه النعمة فأنت حتى لا تستحقها. أما غذاؤنا فحدث ولا حرج، فقد تعودت أجسامنا على الأغذية المنتهية الصلاحية، وعلى الأطعمة المعدة بأقل مواصفات السلامة وحتى النظافة، واستغنى الكثيرون عن عناصر غذائية مهمة لأنهم ببساطة لا يملكون أثمانها.

مورست علينا ذات السياسة في شوارعنا ومدننا، فنحن لا نستحق مدنا مرتبة خاضعة لهندسة ما، ولا نستحق شوارع معبدة وأرصفة للمارة، نحن لا نستحق حتى ممرات للمشاه، فحتى العاصمة عمان تكاد شوارعها تخلو من ممرات المشاة والتي إن وجدت لا تعكس الدور الحقيقي الذي وضعت من أجله. أما نظافة الشوارع والمدن فهي ترف لن نحصل عليه رغم أننا من أكثر الشعوب الدافعة للضرائب التي تضرب رزقنا وتعصف به في كل اتجاه.

هذه السياسة مورست علينا في كل تفاصيل حياتنا، وهي سياسة انطبقت على معظم الشعوب العربية، ففكرة الشوارع المتخمة بالقمامة لا تقتصر فقط على محافظاتنا الأردنية، بل هو مشهد يمكن أن تراه في كثير من البلدان العربية بالتحديد، وفكرة البطالة كذلك، ولا تنسوا فكرة انحطاط التعليم واللجوء للمدارس الخاصة والدروس الخصوصية ،غلاء المعيشة، صعوبة اقتناء شقة، العزوف عن الزواج، البنية التحتية الرثة، الفساد الذي ينهش المؤسسات والمشاريع، سوء الطرق والمواصلات العامة، سوء الرعاية الصحية، عدم الثقة بمؤسسات الدولة، ومن ثم وصلنا لعدم الشعور بالأمان وسيادة القانون، وها نحن نتجه بقوة للشعور بعدم استحقاقنا حتى للعيش، فرؤيتنا لأكوام الجثث لإخوتنا العرب أصبحت مشهدا مألوفا بعد أن أغرقتنا بها فضائيات النفط التي وجدت لسلبنا قيمنا التي ربينا عليها من خلال سحق رغبتنا بمقاومة أعدائنا بعد أن زرعت في رؤوسنا فكرة عدم قدرتنا على مواجهتهم لأننا أقل شأنا منهم في كل شيء. ثم جاء وهم الربيع العربي الذي أغرقنا أكثر وأكثر في اليأس من مجرد فكرة التغيير، وبث بيننا بذور الفرقة والتشرذم فلا مكان بيننا لمن لا يشبهنا في كل التفاصيل مع أن الله لم يخلقنا متشابهين وجعل منا شعوبا وقبائل ليأخذ بعضنا من بعضنا الآخر.

في ظل انشغالنا الشديد بتوفير لقمة العيش لأبنائنا ومنحهم أبسط مقومات الحياة أصبحت مصطلحات مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتمثيل السياسي ومحاسبة المسؤول واحترام القانون والأحزاب وغيرها من المصطلحات مفاهيم بعيدة عما يشغل المواطن الذي لم يعد فقط لا يؤمن بها بل أصبح يعتبرها أمورا ليس من شأنه الخوض بحيثياتها أصلا فليس لها أي تأثير على حياته اليومية بأي شكل، ناهيك عن تلك الخطابات التي تبرر عدم الخوض في معاني هذه المفاهيم لأن المجتمع غير مهيأ للخوض فيها أصلا، فالديمقراطية مثلا كثيرة علينا لأننا لن نستطيع ممارستها إذ أننا لم نصل بعد لدرجة من النضج السياسي والفكري الذي يؤهلنا لاقتناء هذا السلاح الخطير الذي قد نصوبه نحو أنفسنا فيقتلنا، وخرج علينا المنظرون من كل حدب وصوب لدراسة الفترة التي يجب أن تنتظرها كل الشعوب العربية لتبدأ مجرد التفكير بالديمقراطية، رددنا ما قالوه ورضخنا له وصدقناه ورضينا نحن العيش في ظل الديكتاتوريات والظلم.

ولكن هل يمكن لأحد أن يسلبنا حق العيش بكرامة إلا إذا سمحنا نحن له بذلك؟ اختلطت علينا المفاهيم والمصطلحات فلا فرق بين حق علينا انتزاعه وبين منة يتفضل بها أصحاب الشأن علينا وكأنهم يتصدقون علينا بما يملكون ولا يأخذون منا ما نملك ليسكتونا بفتات منه على شكل هبات ومكرمات، ننظر إلى الفساد يحيط بنا من كل اتجاه ولا نملك آلية لإيقافه، وهذا الفساد بالمناسبة لا يقتصر على فئة دون أخرى بل أراه طال جميع الفئات، فمن يمتلك الفرصة لسرقة القليل يغتنمها تماما كما يفعل من يمتلك الفرصة لسرقة الكثير، والتقاعس عن أداء العمل بإخلاص سمة عامة طالت معظم الفئات، والوطن أصبح غنيمة لمن يمتلك القدرة على نهشه أكثر.

Sabah_alslam@yahoo.com





  • 1 جهاد العمري 22-10-2016 | 01:26 PM

    كاتبة مبدعة تلامس الواقع بعفوية جذابة

  • 2 جهاد العمري 22-10-2016 | 01:26 PM

    كاتبة مبدعة تلامس الواقع بعفوية جذابة

  • 3 حسين حموري 23-10-2016 | 05:55 AM

    مقال واقعي يلامس الواقع من كاتبه تدرك نفسية الاردنيين ،،نتمنى عليها المزيد

  • 4 حسين حموري 23-10-2016 | 10:35 AM

    مقال معبر يلامس الواقع شكرا للكاتبه المحترمه

  • 5 اردني 23-10-2016 | 12:51 PM

    ما شاء الله حلوة كثير الله يوفقها

  • 6 طرخان 23-10-2016 | 05:49 PM

    تكلمتي بلسان الاغلبيه ،مقال واقعي يعشه اغلبيه مكونات الشعب لكي التقدير ومنك المزيد

  • 7 م محمد امين 23-10-2016 | 11:31 PM

    ان لا يصل الانسان الى هدفه وطموحه رغم كل الصعوبات التي مارسها في حياته من ضنك العيش الى الدراسه على اضوية اعمدة الشوارع من شدة الفقر والمسير يوميا مالايقل عن عشرة كيلوا مترات وحصوله على الشهادات العلميه من الجامعه ثم ينتظر ان يحصل على فرصة عمل وتسد الابواب في وجهه لان ليس له واسطه ولا يعرف اصحاب القرار ثم يرى بام عينه ان ابن فلان اصبح في مركز مرموق وهو ادنى منه سنا وعلما وثقافه وتدور الايام واذا به على اعلى درجات الوظيفه والثراء الفاحش وياتي ليتحدث عن العداله والمساواه وتكافؤ الفرص والديمقراطيه والاصلاح والقضاء على الفساد نحن نضحك على انفسنا ونغرز روؤسنا بالرمال ونصدق مانسمع الى ان نصل في سفينة الحياه الى القبر حينها نؤمن ان المقدر مكتوب وان الارزاق بيد رب العباد وان التقوى خير وابقى فكما خلقنا عدنا وليس لنا حول ولا قوه ونتمنى لو يعود الزمن لنزرع ونحصد الزرع لاحياء مقولة زرعوا فاكلنا ونزرع لياكلوا خير مما وصلنا اليه من احباط في هذا الزمن الرديء الذي لايفرق بين العصامي والعضامي

  • 8 م محمد امين 23-10-2016 | 11:55 PM

    هذا العنوان اعادني الى ذكرى قبل خمسون عاما من عمري عندما كنت شابا اعمل برتبة ملازم بالجيش العربي وتسلحت بالعلم الجامعي في زمن كانت الفرص سانحه لاحسن من وضعي الشخصي واذكر ان احد ابناء الذوات ابن رجل دوله كان عمره خمس سنوات اصبح رءيس وزراء وانا لم اتقدم سنتمتر واحد رغم كل المحاولات رغم اني متقاعد برتبة ضابط كبير وممارسة مهنة المحاماه ربع قرن وشاركت في معارك الوطن واحمل اوسمة متعدده وخبرتي في الحياه تفوف الوصف ورغم اني لا اتعاطى المسكرات واامحرمات ورغم ذالك لم احقق حلمي ان اجلس يوما على كرسي جلس عليه تلاميذي لماذا لاني عصامي ولست من ابناء الذوات اصحاب الاسماء الامعه في عالم السلطه هل ياترى ساحقق حلمي بعد عمر السبعين مايحز بالنفس ان اسمع مقولة عداله وتكافؤ فرص ومساواه والقضاء على المحسوبيه والرجل المناسب في المكان المناسب كلمات فارغه من المضمون قل لي اسمك اقل لك ماستكون عليه

  • 9 مواطن 24-10-2016 | 08:08 AM

    نعم واقع المدارس للاسف صحيح نحتاج لاصلاح الكثير من المدارس


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :