بين البحر والصحراء لا ينبغي أن تقوم أكثر من دولتين هذه كانت نظرية اميركية بامتياز خلال مفاوضات كامب ديفيد لذلك ما كان مطروحا على الفلسطينيين وقتها لم يكن ليتجاوز الحكم الذاتي ولذلك كان الرفض من قبل منظمة التحرير حتميا ومبررا، فالشعب مكتمل الأهلية لا يقبل بأقل من دولة مستقلة وهذا بالضبط ما جعل كل تضحيات الفلسطينيين مبررة تاريخيا بالرغم من عدم إثمارها سياسيا حتى الآن.
بين البحر والصحراء هنا دولة أردنية عمرها 87 عاما على رأسها نظام سياسي هو أطول الأنظمة عمرا واستقرارا في الإقليم، وهناك دولة إسرائيل التي يجمع العالم على ضرورة وجودها ، لكن الشعار الذي دفن في كامب دافيد نهاية السبعينات من القرن الماضي يطل برأسه الآن بالرغم من أن حل الدولتين هو الصيغة المعروضة مرحليا وتقبل به إسرائيل ( نظريا) وتناضل من اجلها السلطة الوطنية وتراها الأردن مصلحة استراتيجية لها ، ولكن بالرغم من كل هذا فان حلولا خارج هذه الصيغة بدأت تطل برأسها مجددا وتثير القلق على غير صعيد.
ثمة ثلاثة أنماط من القلق لدى كل طرف: المجتمع الإسرائيلي وعلى لسان أيهود اولمرت نعى فكرة إسرائيل الكبرى وشدد على أن الحل الواقعي هو اقتسام الأرض مع الجيران (الفلسطينيين)، وعبر اولمرت عن قلق إسرائيلي ملمحا الى ان مبعثه يتصل بعامل الزمن الذي قد يذهب باتجاه فرض حل الدولة ثنائية القومية على طريقة جنزب افريقيا وهو اشد ما يرعب الطبقة السياسية الإسرائيلية لذلك فان حل الدولتين والانفصال بين الشعبين يبقى هو الحل الامثل للإسرائيليين.
المجتمع الفلسطيني قلق أيضا ومبعث قلقه أن الزمن يمضي دون حل بما قد يجعل إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية متعذرا بسبب تقطيع أوصال الضفة بالجدار العازل والمستوطنات وبالتالي فان القلق الفلسطيني لا يقل عن نظيره الإسرائيلي إن لم يكن أعمق واشد وطأة.
المجتمع الأردني يشعر بالقلق جراء بروز نغمة سياسية يعزف على اوتارها بعض اركان الطبة السياسية الفلسطينية وهي بالمناسبة نغمة غير مقبولة رسميا وشعبيا تتصل بإيجاد حلول سياسية على حساب الاردن تحت مسميات عدة ( الخيار الأردني ، والكونفدرالية) وهذه الحلول ينظر إليها أردنيا (شعبا وقيادة) بوصفها مؤامرة مرفوضة جملة وتفصيلا.
إذن تتوحد المنطقة من البحر وصولا إلى الصحراء في أنها تعيش حالة من القلق الدائم ، وفي حالات سيادة أجواء القلق تصبح الأفكار السوداء على ضآلتها وضآلة مطلقيها مثيرة للريبة، فالفلسطيني حين يسمع أن ما هو معروض عليه اقل من دولة يحق له القلق على مصيره ، والأردني حين يسمع انه قد يضطر لدفع ثمن حل لمشكلة آخرين على حساب مستقبله فان من حقه أن يشعر بالقلق، أما القلق الإسرائيلي فهو نبأ نفرح له وندعو لتعظيمه.
في مثل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والمثيرة للقلق فان جل المطلوب بين الأشقاء هو الشفافية والصراحة والوضوح ، على الأقل لتبديد القلق المتبادل وإطفاء لبؤلا الشك الذي يجري زرعه بين حين وآخر ويتبرع به أحيانا من يرون ان الحيا ليست اكثر من جولات تفاوضية لمجرد انهم من يريدون أن يدخلوا التاريخ ولو من أسوأ أبوابه.
التصريحات التي تصدر على لسان مسؤولين على جانبي النهر مهمة بل وضرورية لإطفاء بؤرة قلق جرى زرعها من قبل بعض الصغار ولعل التصريحات الرسمية الان لم تعد كافية لوحدها بل ربما أن الأوان التفكير في إنتاج دبلوماسية شعبية على جانبي النهر المقدس تضع جملة من الثوابت القومية والوطنية الفلسطينية والأردنية بحيث تشكل جدارا صلبا يقف في وجه أية أفكار لا تخدم مستقبل الشعب الفلسطيني ولا تريح شقيقه الأردني.
ربما آن الأوان لكي تأخذ قوى غير رسمية جانبا من المسؤولية الملقاة على عاتق الرسميين بحيث تكون هذه القوى سندا للقيادتين وعامل طمأنة يزيل الشكوك البينية والتي قد يتبرع حالمون بزراعتها بقصد أو بغيره.
إذا كان القلق الأردني مبرر من تواتر الحديث عن مشاريع سلمية غير عادلة، وإذا كان القلق الفلسطيني مبرر جراء الصلف الإسرائيلي في سرقة الأرض وتقطيع أوصالها فان تفاهما أردنيا فلسطينيا استراتيجيا على المستويين الرسمي والشعبي من شأنه أن يضع حدا نهائيا لأفكار قد تتبلور من اجتماعات تجري او ربما جرت قبل اسابيع في لندن أو في غيرها من العواصم.
الفلسطينيون أول المدعوين لإنجاز وحدة وطنية توحد شطري الوطن كمقدمة موضوعية لإنجاز شبكة أمان عربية قطب الرحى فيها الأردن وغايتها الحفاظ على الحق الفلسطيني المقدس .
ومثلما يحذر اولمرت من مغبة مواجهة استحقاق حل الدولة ثنائية القومية فإن كل الأردن يرفض حلا قائما على دولة ثنائية الوطنية، لذلك فالحل الوحيد هو الدولة الفلسطينية المستقلة لان في هذا الحل غلق لباب القلق من شواطئ حيفا وحتى مشارف الانبار.
samizbedi@gmail.com