كثيراً ما يستعمل الناس جهازاً للتنبيه، الساعة كان يدق جرسها في الوقت الذي يؤشر عليه المؤشر، واختلفت أنواع الساعات باختلاف الأزمان، كان حجمها كبيراً، وصوتها عالياً يمكن أن يوقظ الجيران، وأصبحت صغيرة، وأستبدلت بالهاتف للتذكير بالوقت المطلوب.
في رمضان كانت طبلة المسحراتي تقول "يا نايم أصحى، وحّد الدايم" والآذان تنبيه لوقت الصلاة، وفي الفجر يكون آذان أول للتنبيه للاستيقاظ والثاني للصلاة، الشرطة في حالات الخطر تطلق طلقات تحذيرية والجيش على الحدود كذلك، لتنبيه الداخل قبل اتخاذ إجراء ما، الدول يمكن أن ترسل إشارات من خلال السفراء للتنبيه على أمر ما يمكن أن يتطور بين دولتين.
في حالات العقوبات يعتبر "التنبيه" وليس "المنبّه" أولى العقوبات التحذيرية، المشكلة في "المنبّه" "الساعة" أنه أحياناً يتعرض لعقوبة قد تصل الى ضربها باليد ضربة يمكن أن تؤدي الى كسرها، الساعة ليس لها ذنب إلاّ أنها تريد أن تنبّه صاحبها أن وقت الدوام قد حان، أو وقت المدرسة أو الجامعة قد أصبح وشيكاً، ما ذنب الساعة أن تكسر، أو ترمى من مكانها، هل لأنها تريد أن تنبه صاحبها الى أمر في صالحه، وتجاوز ذلك الوقت سيؤدي الى تأخيره عن الدوام ويتعرض للعقوبة، أو التأخر عن الامتحان، الذي يمكن أن يكون تأخيره صعباً كحالة التوجيهي مثلاً.
عقلاء الأمة ومفكروها والحريصون على مصلحتها، منذ زمن وهم ينبهون الى الحالة التي وصلت اليها الأمة، ما وصلت إليه العراق، وما يمكن أن تؤدي إليه حالها، قتل وتدمير وتهجير وبغض النظر عن الأصول، هم مسلمون وعرب، قتلوا ويقتلون على أيدي بعضنا البعض، نهبت 600 مليار دولار فساداً وشرد الملايين من النساء والأطفال يصرخون هنا وهناك بفعل تفكير خاطئ ومنهج إنحرف عن مساره وطائفية ومذهبية لن تؤدي إلاّ الى تمزيق الأمة ونهب مقدراتها، أعطينا الذريعة بأنفسنا كي يذبح بعضنا بعضاً، وما يجري في العراق والموصل الآن يجري بنفس السياق في حلب، وكلا المدينتين لهما تاريخ في حضارة هذه الأمة إبان حرب الفرنجة، وتوحيد صف الأمة لمواجهتهم، طائفية وحرب دينية بأبشع صورها، واليهود يتفرجون ويحركون والغرب يغذي ويسلّح تخطيطاً ذكياً وتنفيذاً غبياً، ومن ينبه الى هذا الخطر يمكن أن يُكسر كما كُسر منبّه الساعة.
الحريصون على بلدهم، يقولون، الفساد آفه، والمفسدون موجودون، والمنتفعون والطُفيليوّن يهتفون بالإصلاح، وعندما ينبّه إليهم، تشن عليهم حرب الإقصاء والتهميش والإبعاد، لاذنب لهم إلاّ أنهم ساعة تدقّ وجرس يرّن، حتى لا نسير الى أبعد مما نحن فيه.
لا نكسر المنبه لأنه لا ذنب له، بل نستيقظ مما نحن فيه أفراداً وجماعات، فمهمتنا كبشر لا تنتهي ومسؤوليتنا لا تتوقّف لأن الأمه أمّتنا، والأرض أرضنا، والبلد بلدنا، وكل الغزاة والطغاة والمنحرفين، كان مصريهم في التاريخ إلى زوال، لأن الحق لا بد أن ينتصر في النهاية والباطل لا بد أن ينتهي مهما طال أمده.