• كتب أحدهم أن الدولة المدنية بضاعة غربية ليست لنا !! .
أظنه إستيقظ فجأة , وكأنه كان في غيبوبة وكأنه كان يعيش في عالم إفتراضي .. يا هذا الأردن دولة مدنية منذ 70 عاما عاش في كنفها أبوك وجدك وهي كذلك منذ أول دستور, النظام فيه ملكي دستوري و الملك يمارس سلطته التنفيذية من خلال رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، وليس من خلال الأئمة والوعاظ وليس من خلال أية أيدلوجيا , القانون هو سيد الموقف وقد كان عليك أن تفعًل ُمحرك البحث لتقرأ أن الأردن يعتبر بلدا يجمع بين ثقافات ولهجات عربية مختلفة بشكل لافت.
محرك البحث يقول أيضا أن الأردن ومنذ أقدم العصور مأهولة بالسكان بشكل متواصل. وتعاقبت عليها حضارات عدة ، استقرت فيها الهجرات السامية و أسست تجمعات حضارية مزدهرة في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، العموريون الذين هم أشقاء الكنعانيين والأدوميون نسبة إلى أدوم والمؤابيون نسبة إلى مؤاب ، والحشبونيون نسبة إلى حشبون ـ حسبان الحالية ، والعمونيون نسبة إلى ربة عمون والباشانيون نسبة إلى باشان وهي بيسان الحالية . ومملكة الأنباط نسبة إلى اسمهم وليس إلى اسم المكان واخيرا الحضارة العربية الإسلامية .
قد تكون أنت من سلالة إحدى هذه الشعوب , وقد تكون غريبا عن ذلك كله , المهم أنك من هذا التنوع جئت ومن ثقافاته جبلت , فلا تنكره , وان أنكرته على نفسك لا تنكره على غيرك , هذا التنوع الحضاري الموروث لا يمكن شطبه بجرة قلم ولا يمكن محوه لهوى ولا لمعتقد ..
.....
• منذ طفولتي تعرفت على تمييز الرجل المدني من الزي الذي يرتديه , فمن لا يضع زيا عسكريا هو بالضرورة مدنيا , الى أن إستجبت لنداء الوطن وإلتحقت بخدمة العلم فتبينت مصدر هذا التعريف , وهو صحيح نوعا ما , فما يجوز للمدني أن يفعله لا يجوز للعسكري .
لكن هذه المساحة الضيقة من التعريفات إتسعت لأكتشف أن الحياة المدنية هي أن تمارس كل شيء في حدود القانون المدني , وكنت في كل مرة لا أجد تقاطعا بين هذه القوانين وبين المباديء العامة للدين الى أن وجدت أن بعض شيوخ السياسة يرون ما هو عكس ذلك , وبدلا من العثور على نقاط الإلتقاء والتكييف راحوا يلعنون القوانين الموضوعة صباح مساء لإعتبارها رجسا من عمل الشيطان , فتشكلت عندي فجوة , لا أقول أنها كبيرة لكنها غاية في التناقض , إذ تفترض مني أن أخضع للقانون بكامل إرادتي صاغيا وممتثلا أو أتملص من بعض أحكامه إن وجدت في تعاليم شيوخ السياسة ما ينجو بي من مثل هذا الإمتثال .
كيف لنا أن نصوب هذه الفجوة , أعتقد أن على مشايخ السياسة أن يكفوا عن إبراز التناقض أولا وأن يتوقفوا عن تجيير المفاهيم بحسب المصلحة ومقتضى الحال , وكل شيء سيكون عال العال .
......
• قرأت تعريف الدولة المدنية كما أجمع عليها الفلاسفة ورجال القانون قبل رجال السياسة , الذين برأيي إستطاعوا تكييف مباديء الدولة المدنية على مقاس الأنظمة المتعاقبة على الحكم في عالمنا العربي , فهي شيوعية عندما أرادوا وهي إشتراكية كلما رغبوا وهي أيضا رأسمالية كلما إشتهوا وهي دينية عندما رأوا أنها تقربهم الى السلطة
ويكيبيديا تعرف الدولة المدنية على أنها دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية. ومن أهم مبادئها أن الدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم لكن من أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة ولاتعادي الدين أو ترفضه بينما يظل عاملا في الدولة المدنية في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم..
هذا تعريف ويكيبيديا, إليكم الأن تعريفي المتواضع , هي دولة أحب أن أعيش فيها بحرية مسؤولة لا تعتدي على حرية الأخرين , أجلس في مقاهيها وأرتاد سينماتها ومسارحها واستمع الى الأغاني فيها وأشارك أفراح ناسها وأتراحهم أجوب شوارعها مشيا وجريا , أحافظ على نظافتها وأبتسم لمن يمر فيها الى جواري وألقي عليه التحية وألتزم بنظام السير فيها , أفكر فيها بحرية وأقول رأي بصراحة وأقبل من الآخرين أرائهم , لا أميز بين أحد فيها الا بما يفوقني حرصا عليها وعلى مواردها وثرواتها وأحترم وأقدر تنوع ناسها وتعدد أرائهم وأعراقهم ودياناتهم أمسك عن إصدار الأحكام المسبقة ولاأصرف أوصافا معلبة لا أحكم فيها على مظاهر الناس , فأفعالهم هي المعيار , ومع نهاية كل يوم أدعوا الله أن يحفظها ويحفظنا في مساجدها وكنائسها .
الراي