الثقافة المدنية .. الرافعة الثانية للدولة والمجتمع المدني
د. اسامة تليلان
20-10-2016 08:59 AM
كشف الربيع العربي وما تبعه من تحولات عنيفة عن خلل خطير في جانب التربية والثقافة المدنية وقصور في منظومة الوعي الديمقراطي في المنطقة العربية، وما تصاعد العنف وانتشار التيارات المتعصبة وعسر فهم آليات التحول الديمقراطي إلا مؤشر على هذا القصور، وهنا يمكن الربط بين غياب الثقافة الديمقراطية والسلوكيات المدنية وتصاعد نماذج التحولات العنيفة.
ورغم ان الاردن دخل مرحلة تحول نحو الديمقراطية منذ عقدين وشكل نموذجاً مختلفاً لما جرى في دول الربيع العربي، إلا ان عملية التحول الديمقراطي عانت في احد الجوانب من طبيعة الثقافة المدنية السائدة اي عدم مواكبة منظومة القيم الاجتماعية والتوجهات الثقافية السائدة في المجتمع مع التغيرات السياسية والتشريعية والمؤسسية الناظمة للعملية الديمقراطية.
فالتحول السياسي والثقافي نحو الديمقراطية هو تعبير عن محاولة الخروج من البنى التقليدية ومنظومتها الثقافية والولوج إلى مرحلة الحداثة السياسية التي تنتمي إليها الدولة الوطنية ( المدنية) بكل محدداتها ومعانيها، بحيث يتأسس معها أيضاً ثقافة حديثة تجدد وتطور وعى الأفراد وتعمق وعيهم الديمقراطي، تجاه الاحزاب والتعددية والمرأة والمواطنة وقبول الاخر والاحتكام لقواعد العملية الديمقراطية.
فالعقود الماضية لم تكن كافية لترسيخ الديمقراطية على المستوى الاجتماعي والثقافي في الاردن، وقد لا يكون كافيا ايضا عقد او عقدين لتحقيق ذلك بدون برامج موجهة لتغيير النسق القيمي الثقافي، وهنا تأتي محورية الحديث عن التربية المدنية من منطلق ان التربية عملية يكتسب الأفراد من خلالها هويتهم الوطنية في اطار المواطنة ويكتسبون معارف وثقافة تنظم وتحدد أنماط العلاقات والتفاعلات بين الدولة والمجتمع وبين أفراد المجتمع ذاته وبينهم وبين غيرهم من المجتمعات والشعوب.
ومن منطلق ان تحقيق التحديث والتنمية لا يمكن إن يتم إلا من خلال تنمية الإنسان ذاته أي بناء قدراته علميا ومهاراتيا ومعرفيا وثقافيا، وهنا تكون التربية المدنية من أهم آليات البناء المعرفي والحضاري للفرد وللمجتمع معا ومن اهم مدخلات بناء الثقافة الديمقراطية.
بيد أن التفكير بأهمية ترسيخ الثقافة المدنية في اطار الدولة المدنية بحاجة الى مسارين متلازمين:
المسار الاول : تطبيق الدولة لسيادة القانون في كافة المفاصل الكبيرة والصغيرة، وتحقيق العدالة بصورة لا تقبل التأويل، بحيث يشعر كل مواطن ان القانون يطبق على الجميع بما فيه القائمون عليه. وهذا المسار اساسي حتى يأتي المسار الثاني بالنتائج المطلوبة. فمع تأكيد الورقة النقاشية السادسة على سيادة القانون كرافعة للدولة المدنية يأتي امكانية السير بالرافعة الثانية وهي التربية والثقافة المدنية.
المسار الثاني :السير بجهد منهجي باتجاهات محددة، يبدأ ببناء برنامج وطني للتربية المدنية يتضمن تحديد الاهداف والمحتوى، ، ثم ادخال منهاج التربية المدنية في مناهجنا التعليمية من الصفوف الاولى انتهاء بالتخرج من الجامعة. وهذا الادخال له طرق مختلفة تتوائم مع طبيعة المجتمع.
ويكمل هذا المسار او الدور مسؤولية اخرى تقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني ووزارات مثل الثقافة والإعلام وصندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية حيث يمكنها ان تعمل على تغطية باقي القطاعات التي تقع خارج اطر المقاعد الدراسية وان تحدث فارقا ايجابيا من خلال برامج التدريب على قضايا التربية المدنية والثقافة الديمقراطية ودعم المبادرات المعززة لها، لأنها لوحدها وبدون ان تدخل التربية المدنية في المنهاج المدرسي والجامعي لا يمكن ان يعول عليها لأكثر من عقدين قادمين لتحقيق جزء من الاهداف المطلوبة.
اذ من الصعب ان نتحدث عن قيام دولة مدنية بالمعنى المجازي لهذا المفهوم بدون مجتمع مدني يمارس سلوكيات مدنية رشيدة تقوم على اساس روابط المواطنة وقيم المجتمع المدني المتأصلة فيه، وبدون هذا المسار وترسيخ سيادة القانون بشكل حاسم وجذري لن يؤدي ذلك الى رسوخ مسار الدولة المدنية.