عنوان المرحلة القادمة .. ؟!
حسين الرواشدة
20-10-2016 01:20 AM
اذا كان حلم الاردنيين يمكن اختصاره (كما ذكرنا امس الاول) في كلمتين هما : الدولة العادلة ، فان السؤال الذي يجب ان نطرحه ليس فقط من اين نبدأ، وانما كيف نبدأ..؟ الكيفية هنا مهمة وضرورية لانها ستتيح لنا ان نعرف اين اخطأنا واين اصبنا ، كما انها ستمنحنا ما يلزم من رؤية لمعرفة ما نريده وما نخشاه، والاهم من ذلك انها ستمكننا من الانطلاق نحو المستقبل بخطى ثابته تطمئننا على حاضرنا وعلى مستقبلنا ايضا.
اذا اتفقنا على ذلك فهل يمكن ان يكون عنوان المرحلة القادمة في كلمتين ايضا هما : “تصحيح المسارات”؟
تصحيح المسارات لا يتعلق فقط بالحكومة ومقرراتها وأدائها العام، وانما يتعلق ايضا بالعدالة ومرافقها ، والادارة وماكينتها الثقيلة ، والاعلام والضمائر التي تتحرك فيه ، والتعليم وملفاته الخطيرة ، ثم بالبرلمان الذي يبدو أن الرهان أصبح “معلقاً” عليه للولوج الى حالة سياسية مختلفة تتناسب مع المتغيرات التي طرأت على “الايقاع” العام للمجتمع وقواه السياسية ، انه باختصار يتعلق “بالدولة” من حيث اتجاهاتها ومقرراتها، ومن حيث قدرتها على “تغيير” المزاج العام للناس نحو الثقة بها واحترام خياراتها، والانخراط معها لتصحيح المعادلات السياسية والاجتماعية التي تعرضت “لإصابات” كبيرة في السنوات الماضية.
عندما يدرك الوزير في الحكومة والنائب في البرلمان والمسؤول في المؤسسة ان المسارات القديمة انتهت ، وان الوقوع في “الخطأ “سيكلفه ثمناً كبيراً، وان القانون لن يستثنيه من المساءلة والمحاسبة، وان عيون “المجتمع” مفتوحة تترصد أفعاله وتراقب أداءه، وأن الشارع ما زال “حاضراً” في المشهد وجاهزا للاحتجاج ويتمتع بالحيوية اللازمة للحركة والتأثير.. عندها يمكن أن نتوقع “ثورة” بيضاء تخضع الجميع لمسطرة “النظام” وتقيس أداءهم على معايير “الكفاءة” الموحدة، وتدفعهم نحو “التنافس” على خدمة الناس لا الزحام لتحقيق مصالحهم الفردية، ونحو الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة ومستلزماتها لا “التملص” منها تحت لافتة “التجاوز المشروع” أو “غياب” أعين الرقيب.
تحت عنوان تصحيح المسارات يمكن أن نتوافق على “مشروع” اصلاح سياسي ينسجم مع طموحات الأردنيين، ويحسم اسئلتهم المعلقة منذ اعوام، ويدفع عجلة الحياة العامة ، وينتقل “بالمسؤولية” من سياق “التشريف” والمنفعة والحصول على ما أمكن من “امتيازات” ومكاسب الى سياق “التكليف” وخدمة الناس والخضوع لمساءلتهم، والالتزام بقضاياهم.. وهو منطق “الديمقراطية” الحقيقية التي نكتشف - اليوم - للأسف باننا اهدرنا وقتا طويلا في البحث عن “مفرداتها” .
هذا لا يعني - بالطبع - ان اخطاء المرحلة الماضية سقطت من الذاكرة، وان “المخطئين” نالوا شهادات “براءاتهم” ، ولا يعني ايضا ان الملفات التي جرى “تكييفها” لإخراجها من دائرة المحاسبة والتغطية على “الجرائم” التي تتضمنها قد انتهت بالإغلاق، وانما المطلوب فتح جميع الملفات لاقناع الناس انها اغلقت فعلا بالمحاسبة ثم تجاوز ذلك نحو “تصغير” الازمات والمشكلات اولا ومنع تكرارها ثانيا، ثم اعتماد آليات جديدة تعيد للوظيفة العامة أخلاقياتها، وللمسؤولية اعتباراتها، وللدولة قيمها و تقاليدها التي عرفناها قبل عقود، كما تعيد ايضا منطق التفاهم والتوافق والتصالح لمجتمعنا في علاقته مع مكونانه ومع الدولة ايضا.
اذا التزم “الرسمي” بعنوان “تصحيح المسارات” وعبرت الدولة بكل سلوكياتها وتصرفاتها عن هذا المبدأ بنزاهة، وتحول خطابنا الرسمي من اطار “التمجيد” والتلميع والتغطية على السلبيات واستطاع ان يقنع الناس بانهم امام “تحول” حقيقي فان روحا جديدة ستكون قد دبت في جسم الدولة المدنية التي يحلم بها الاردنيون ،والمطلوب عندئذ ان ينعكس هذا العنوان على طرفين: احدهما الدولة التي يجب ان يكون سلوكها منسجما تماما مع “سيادة القانون” ومع احلام الاردنيين المشروعة، والطرف الاخر هو المجتمع بمؤسساته وقواه الاجتماعية حيث يفترض ان ينهض لاستعادة حضوره وحيويته وتفعيل عناصر القوة فيه، سواء من زاوية “التدين” او “التحضر” او المشاركة في ميادين السياسة والعمل العام، او - ان شئت الدقة - “النخب” التي تتصدر الصفوف سواء اكانت محايدة او معارضة، وهذه مدعوة لرفع عنوان “الخطأ ممنوع” ايضا في علاقاتها مع بعضها وفي خطابها وفي تفاعلها مع الحياة العامة.
اذا تحقق ذلك على صعيد الدولة والمجتمع والنخب، واذا ما غادرنا دائرة “الاحباط” ومنطق الاستعباط والاستعلاء والهروب من الواجب، وبدأنا مشوار التصالح مع الذات ، فان بوسعنا عندئذ ان ننظر الى المستقبل بعيون متفائلة.. وان نخرج من أزماتنا التي حاصرتنا وما تزال منذ سنوات.
الدستور