في تلك الليلة أصيب العراقيون والعالم بالذهول .في غضون ساعات سقطت ثاني اكبر مدينة عراقية محاطة باربع فرق عسكرية وبداخلها مائة الف شرطي ورجل امن بيد مسلحين لا يتجاوز عددهم عشر عدد الجيش النظامي المحيط بها وبداخلها.
ما الذي جعل قادة الجيش يفرون مرعوبين الى اقليم كردستان تبعهم الجنود ملقين اسلحتهم وتاركين دباباتهم، فيما سارع رجال الشرطة لخلع بزاتهم العسكرية وارتداء ما امكنهم الحصول عليه من ملابس مدنية تاركين المدينة التي يفترض انهم حماتها بمؤسساتها وناسها ومصارفها ؟!
في ليلة 10 حزيران 2014 سقطت مدينة الموصل في ساعات بيد مسلحي «داعش»من غير ان تحصل معركة بينهم وبين قوات الجيش العراقي.هرب
المنطق في تفسير ما حدث واحد من احتمالين : اما خيانة من كبار قادة الجيش اوتلقيهم تعليمات من القيادة العامة للقوات المسلحة بالانسحاب.
تركت المدينة الاستراتيجية ذات الغالبية السنية لتمارس فيها داعش «جهاد النكاح» واغتصاب الفتيات واذلال ابناء المدينة من غير المسلمين ،وكله باسم الدين ! والاهم...لتضع اقدام القتلة حدود تقسيم للعراق واذلاله وهو الهدف الحقيقي المخفي للاحتلال الاميركي للعراق في 2003 تحت لافتة «اسلحة الدمار الشامل» ،التي روجها جورج بوش الابن وكونداليزا رايس وكولن باول .وحين سئل بوش عن تلك الاسلحة قال للصحفيين بصفاقة :آسف لم نجدها !!
بعد ثمانية أشهر من التحقيقات، خرج التقرير المتعلق بـ»الكشف عن ملابسات سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة» للوجود، ليصوت البرلمان في 16 آب 2015 لصالح رفعه إلى القضاء وهيئة النزاهة لاتخاذ القرار المناسب.ومن أهم نتائج التقرير ذكره أسماء شخصيات عديدة متهمة بالتورط في سقوط الموصل يقدر عددها بـ36، على رأسها رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي ، ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي، والمحافظ السابق لنينوى التي تتبعها مدينة الموصل أثيل النجيفي، والقائم السابق بأعمال وزير الدفاع سعدون الدليمي.كما تضمنت لائحة تقرير الموصل أسماء مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة السابق الفريق فاروق الأعرجي، ورئيس أركان الجيش بابكر زيباري، ومعاونه عبود قنبر، وقائد القوات البرية علي غيدان، وقائد الشرطة في نينوى خالد الحمداني إضافة إلى قادة عسكريين سابقين وحاليين.
الآن تتصدر ما تسمى معركة تحرير الموصل من قبضة داعش نشرات الاخبار العالمية .وقد بُدء الحديث عنها منذ اشهر بطريقة اشبه ما تكون بمسرحية معدة بتقنية عالية في هوليود .وتشارك بدور رئيسي فيها فضائيات ولدت وترعرعت في غرف الاستخبارات الدولية وكان لها دور كبير في ما سمي «الربيع العربي» .
اللافت ان الولايات المتحدة تتسيد المشهد وتعلن من الخارجية والبنتاغون تفاصيل «المعركة» وتكشف عن وجود خمسة آلاف عسكري اميركي خلف قوات حكومة بغداد بدعوى «تقديم المشورة»وحماية القوات العراقية التي تخوض المعركة !
ثمة تساؤلات تضع كل ما يجري داخل علامة استفهام كبيرة :ما سر توقيت عملية الموصل فيما الانظار كلها كانت متجهة الى حلب؟هل ثمة اتفاق بين كيري ولافروف على ان يكون العراق من حصة اميركا وسوريا من حصة روسيا ؟لماذا تصر تركيا على المشاركة في معركة الموصل ؟وما هو المقابل الذي سيحصل عليه الاكراد ثمنا لمشاركة البشمركة في المعركة؟ولو كانت المعركة حقيقية ،لماذا يتم اسبعاد اي طرف عربي من المشاركة فيها ؟
العرب لم يعد لهم وجود في الحسابات الدولية .فهاهما عاصمتا الخلافتين العباسية والاموية تتحولان الى مربط لخيول اعدائهم ،وهم-العرب-أكلوا يوم أُكل الثور الابيض.ولاحياة لمن تنادي!
حين سألوا الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري: لماذا تقول العُراق و ليس العِراق اجاب يعز عليّ كسر عين العراق!
عيوننا تبكي مكسورة على الموصل وحلب وعدن وصنعاء ..يعز علينا العراق وسوريا واليمن وما تبقى من عرب !!
"الدستور"