دقة المرحلة تتطلب منّا وعياً تاماً لحجم التحديات
حسين هزاع المجالي
19-10-2016 01:10 AM
فشلت محادثات لوزان السويسرية في التوصل إلى اتفاق واضح لإنهاء الأزمة السورية المندلعة منذ أزيد من ستة اعوام.
المحادثات التي جرت في المدينة السويسرية بعد أسابيع من توقف المباحثات الأمريكية الروسية حول سوريا وبعد تزايد الضربات الجوية التي يشنها النظام السوري مدعوما من الطائرات الروسية على مدينة حلب شمال سوريا، وهي الضربات التي من الممكن أن تخلق واقعا جديدا على الساحة السورية.
يأتي ذلك في ظل حديث عن أن الجيش التركي بسط سيطرته على مساحات كبيرة شمال سوريا لتكون مناطق آمنة تساهم في تأمين حدودها وفي طرد القوى المسلحة المتشددة كعصابة داعش من جهة ومن أخرى لوقف موجات اللجوء السوري إلى داخل الأراضي التركية.
إن استمرار القصف العنيف على حلب وإصرار تركيا على منع المتشددين من الاقتراب من حدودها من شأنه أن يدفع المتشددين إلى البحث عن موطئ قدم جديدة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الحرب التي يشنها الجيش العراقي مدعوما بقوات البيشمركة وطائرات التحالف على الموصل لتحريرها من الإرهابيين وهو ما قد يعني أن يلجأ الإرهابيون إلى البحث عن معقل جديد.
ولعل الخشية تكمن أن نكون أمام سيناريو جديد بتفريخ تنظيمات متشددة أكثر إرهابية ودموية من داعش تحت مسميات جديدة، كما الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة الذي تفرخ منه تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين ومن ثم أصبح مع الأزمة السورية باسم وشكل جديد باطلاقه على نفسه الدولة الاسلامية في العراق والشام «داعش»، لتكون عند ذاك داعش مجرد عنوان مثلها مثل القاعدة فيما الفعل على الأرض لتلك المسميات الجديدة التي لربما تكون مجهولة الهوية.
وهذا يدفعنا إلى أن نكون محتاطين بوضع كل السيناريوهات أمامنا وبناء استراتيجيات علمية وفقا لها للتعامل مع أي مستجد جديد مهما كان نوعه.
إن النظر إلى ما يجري على الأرض، وإلى الضربات التي تلقتها داعش، فإن ثمة مؤشرات تشير إلى أنها ستلجأ إلى الجنوب السوري كقاعدة انطلاق جديدة، ما يعني أنها ستكون قريبة جدا من حدودنا الشمالية، عند ذاك سنكون أمام خطر يتهدد الأمن والسلم المجتمعي من داعش التي تكنُّ العداء للدولة الأردنية؛ التي أعلنت منذ البدء حربها على الأرهاب أيا كان مصدره ومرتكبه، لذا كانت الأردن من اوائل الدول التي أخذت على عاتقها ضرب العصابة في معاقلها وتكبيدها خسائر كبيرة.
إن مواجهة خطر العصابات الإرهابية لا يتمثل فقط في الضربات العسكرية أو الحملات الأمنية، وإنما يجب أن تكون هناك منظومة متكاملة مبنية على أساس علمي دقيق، يبدأ بالاهتمام بالناشئة ونشر الوعي ضد التطرف الداخلي أيضا؛ الذي من الممكن أن يكون أكثر خطورة من الخارجي، عبر التركيز على تعاليم ديننا الحنيف المبني على الوسطية والاعتدال، والاهتمام بما يحقق الأمن الاقتصادي للأردنيين الذين يئنون مع ضغط الواقع.
كما أن ثمة ضرورة ملحة في ضمان إشاعة العدل والمساواة بين المواطنين والالتزام بالقوانين والأنظمة والعمل على تطويرها بما ينسجم مع رسالة الدولة الأردنية منذ عهد الإمارة.
بل إن مواجهة خطر العصابات الإرهابية يكمن في أن يعي كل منا حجم التحديات التي تواجهنا منذ قرابة ستة أعوام، ويكمن في النظرة الواعية إلى ما آلت إليه الدول والمجتمعات من حولنا وضرورة العمل بما يضمن عدم الاقتراب من تلك المآلات، وبما يضمن أن تظل الدولة الأردنية دولة قوية بما تحمله من رسالة محبة وسلام وبما تحمله من رسالة جامعة تضم كل الأردنيين دون تفرقة.
لذا فإن المطلوب؛ أن نكون عند مستوى التحديات سواء أكانت على الصعيد الاقتصادي أو السياسي الداخلي والخارجي أو حتى على الصعيد الاجتماعي الذي لا بد أنه تأثر بموجات اللجوء وما حمله أولئك اللاجئون من ثقافات أثّرت في مجتمعنا.
ولعل تزايد مستوى الجريمة، قد يؤشر على ذلك التأثير، وإن كان ليس هو العامل الوحيد في تزايد مستواها .
إن من المؤمل أن نبذل جهدا استثنائيا في الالتفاف حول الوطن بحيث تكون القضايا الوطنية الجامعة محور الاهتمام دون سواها من قضايا، ولعل المسؤولية في ذلك تقع بالدرجة الأولى على مجلس النواب الذي من المنتظر أن يقدم أعضاؤه دورا رقابيا وتشريعيا مهما عبر العمل الجماعي المتمثل في تشكيل كتل برامجية لا مصالحية.
في مجلس النواب الثامن عشر، الذي نتوسم في أعضائه الخير بأن يكونوا برلمانيين أكفياء يغلّبون مصلحة الوطن على غيرها من المصالح الفرعية، وأن تكون رقابتهم مبنية على أسس علمية وطنية وأن يبذلوا قصارى جهدهم لتشريع قوانين قادرة على الارتقاء بالإدارة وبالأداء بشكل عام وقادرة على محاسبة المسؤولين المقصرين دون التراخي بما قد يُشعر المواطن بأن القوانين مفصلة له دون غيره من المسؤولين والنافذين.
لقد جاءت الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك لتؤكد على أن الدولة المدنية هي الدولة التي يسود فيها القانون على الجميع، دون تمييزٍ بين أحد مهما كانت ديانته وطائفته أو عرقه.
كما وركزت على أن القانون يجب أن يستظل تحته الجميع، لذا فإن الورقة النقاشية السادسة كسابقاتها من أوراق ملكية يجب أن تكون ماثلة أمام جميع سلطات ومؤسسات الدولة، ولا سيما النواب وهم يتصدون للرقابة على أداء الحكومة وللتشريع، فرأس الدولة يؤكد على عدم استثناء أي من المقصرين من المساءلة والحساب.
إن استمرار الأزمة السورية دون حل سياسي يشارك فيه السوريون، فإن ذلك يعني استمرار التحديات واستمرار اللجوء إلى المملكة التي لم تعد تستطيع استقبال المزيد منهم في ظل تخاذل دولي عن دعم الأردن نظير فتحها الحدود لاستقبال اللاجئين الفارين من لهيب النار، رغم تأثيرهم على موارد الدولة المائية والصحية والاقتصادية والتعليمية وتأثيرهم بشكل أو بآخر على فرصة الكثير من الأردنيين بالعمل.
نعلم أن محادثات لوزان لم تكن لتحل الأزمة السورية برمتها، بل إن المؤمل كان بوقف القصف على مدينة حلب وغيرها وبالتالي وقف موجات اللجوء.
إن الحاجة باتت ماسة إلى التفكر عمليا ومليا في كيفية ابعاد خطر التنظيمات الإرهابية عن حدودنا، وهذا دور ليس منوطا بالدولة الأردنية فحسب، بل يحتاج إلى جهد دولي جمعي بالقضاء على العصابات الإرهابية.
أما والحال لا يزال على ما هو على حدونا الشمالية، فليس لنا من بدّ إلا العمل بإخلاص ووطنية بما يضمن تمتين جبهتنا الداخلية ضد أي من الممارسات التي تسعى إلى زعزعتها، وليس لدينا بدّ الا بالنظر إلى أوراق جلالة الملك، وخاصة الورقة السادسة نظرة تمعّن وتمحيص للعمل وفقها فهي تشكل لنا خارطة طريق ومنهاجا عمليا للعمل وفقا للقانون دون تمييز بين أحد من الأردنيين مهما كان موقعه ومهما كانت عائلته.
الراي