تأتي الورقة النقاشية السادسة التي يبعثها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين إلى الأردنيين جميعا ، بعد حوالي عامين على الورقة النقاشية الخامسة ، التي جاءت متممة لأربع أوراق قبلها ، عرض فيها جلالته رؤية واضحة لكيفية بناء الديمقراطية في بلدنا وتطوير نظامنا الديمقراطي ، وتجديده وإنجاحه ، لترسيخ المواطنة الصالحة ، وتعميق التحول الديمقراطي من حيث الأهداف والمنجزات والأعراف السياسية .
ولا بد هنا من التذكير بما ورد في الورقة النقاشية الخامسة حول مسؤوليات " الملكية الهاشمية" التي حددها جلالة الملك في توفير نهج قيادي جامع لكل مكونات الدولة ،يستشرف المستقبل ، بهدف تحقيق الازدهار لأجيال الوطن ، وكذلك مسؤولية الملك القائد الأعلى للقوات المسلحة في الدفاع عن قضايانا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية ، وأمننا القومي ، وحماية تراثنا الديني ، ونسيجنا الاجتماعي .
في ظل هذه القواعد التي مهد لها جلالة الملك في الأوراق الخمس السابقة ، ووسط أجواء إقليمية كارثية تحيط بنا جاءت الورقة النقاشية السادسة لتؤكد ثقل المسؤوليات التي يتحملها الملك ، وقدرته الفائقة على القيام بها ، والحقائق الملموسة تشهد على ذلك حين ندرك جميعا أنه قد أدار جبهة التوازنات الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالصراعات التي تشهدها منطقتنا ، بكفاءة واقتدار ، وحين هيأ الأردن ليكون قادرا على تحمل آثار الصدامات الخارجية عليه ، معبرا عن ذلك بجملة واحدة " قد لا توجد دولة في التاريخ الحديث تحملت آثار الصدامات الخارجية أكثر من الأردن " .
والسؤال المشروع هنا ، كيف يتمكن الأردن من تحمل هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين ، وما يترتب على استضافتهم من أعباء ، فضلا عن كلفة حماية الحدود والأمن الداخلي وفوضى الانعكاسات الاقتصادية الناجمة عن حرب دائرة في المنطقة التي ننتمي إليها ؟
والأخطر من ذلك طبيعة تلك الصراعات التي مست الموروث الديني ، والنسيج الاجتماعي لأمة نحن ننتمي إليها ، فلا تجد تلك المصيبة طريقها إلينا لأننا محصنون بوحدتنا الوطنية ، أساس قوة الشعب الذي يمضي في مسيرة بلده الإصلاحية إلى الأمام ويخوض التجربة تلو التجربة حتى يتمكن من تحقيق أهدافه وطموحاته ، وتقدمه وازدهاره .
ولعل الإشارة الواضحة التي تضمنتها الورقة النقاشية السادسة بأن غياب سيادة القانون والتطبيق العادل له كان عاملا رئيسيا في انهيار الدول التي تعصف بها الصراعات ، تشكل منطلقا لتأكيد من ذهب إليه جلالة الملك من تأصيل لرؤيته تجاه مسؤولية الدولة في تطبيق وتنفيذ القانون بمساواة وعدالة ونزاهة ، وأن تلك مسؤولية جماعية من ناحية، وأنها التعبير الصادق عن محبة الوطن والانتماء إليه .
إن الورقة النقاشية السادسة مبنية بالفعل على نظرية فريدة من نوعها ، فرضها واقع لم يسبق له مثيل ، ومنطق قائم على دلالات القوة الظاهرة والخفية في كياننا الأردني ، ولذلك فإن الرسالة موجهة في بعض جوانبها إلى تلك الأقلية من أولئك الذين يظنون أنهم فوق القانون ، أو أنهم قادرون على التحايل عليه ، أو تطويعه لمصالحهم الشخصية .
ومن هنا تأتي أهمية تمسك الجميع بالقانون وسيادته وعدالته ونزاهته ، ففي ذلك قوة يساهم المواطن في صنعها ، حين يحترم القانون ، وحين لا يسكت عن تجاوزه من خلال القانون نفسه ، وما أتاحه من مساحات مشروعة للتعبير عن إرادته وحقوقه التي كفلها الدستور .
في الورقة محاور هامة كثيرة لا يمكن تناولها في مقال تجاوزت فيه المساحة التي اعتدت عليها في صحيفة الرأي ، مدرسة الصحافة الأردنية ، ولذلك للحديث بقية .
yacoub@meuco.jo
www.yacoubnasereddin.com