تشهد سياسات مصر الخارجية تحولات مذهلة، والكلام الذي كان يتسرب سرا، عن دعم مصر الرسمية، للنظام السوري، كلام ثبتت صحته.كان الماحا، وبات واقعا.
بشكل مفاجئ، يصل الجنرال علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري الى القاهرة في زيارة بناء على دعوة من الجانب المصري استمرت يوما واحدا التقى فيها الجنرال خالد فوزي نائب رئيس جهازالأمن القومي في مصر وكبارالمسؤولين الأمنيين، وتم الاتفاق بين الجانبين على»تنسيق المواقف سياسيا «بين سورية ومصر وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان، وفقا لخبر وكالة «سانا» السورية الرسمية.
الجنرال علي مملوك كان اساسا زار بضع عواصم عربية سرا، خلال السنين الفائتة، وبقيت هناك خطوط تنسيق امني بين دمشق وعدد من العواصم العربية، دون اشهار، فيما هذه الزيارة تم اشهارها بشكل احتفالي، يفهم الجميع معناه، والرسالة متعددة المسارب.
اشهار الدعم المصري للنظام السوري، هو محط السؤال، وبرغم ان هناك اشارات خفية سابقة، عن دعم مصري للنظام السوري، الا ان التحولات العلنية بدأت أخيرًا فقط، من التصويت لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الامن، مرورا بالمناورات المصرية الروسية، وصولا الى استقبال شخصية امنية رفيعة المستوى، في القاهرة.
علينا ان نلاحظ في صياغات الخبر الرسمي لوكالة الانباء السورية، تلك المفردات الاحتفالية عبر القول في الخبر ان الطرفين اتفقا على «تنسيق المواقف السياسية» ، وتعزيز التنسيق في مكافحة الارهاب، وتنسيق المواقف السياسية، يعني فعليا، وجود تطابقات بين البلدين، ازاء قضايا محددة، في ظل ما تثيره القضية السورية، من خلافات وصراعات في المنطقة.
تأتي هذه التحولات العلنية، في ظل تراجعات في العلاقات المصرية مع دول عربية كبيرة ومهمة مثل السعودية، والتساؤل هنا يتعلق بنقطة محددة غامضة، حول مااذا كانت هذه التحولات تأتي ردا ثاريا على برود العلاقات مع دول عربية، ومن باب رد الفعل، ومن اجل الضغط على هذه الدول، من اجل استرداد مصر الى ذات معسكرها، ودعم مصر، بالطريقة التي تريدها القاهرة، ام ان هذه التحولات جذرية، وعميقة، وتعبر عن تحول في المسارات من السرية الى العلنية وحسب.؟!.
دخول الروس ودمشق الرسمية، على خط مصر، بهذه الطريقة، اخطر ما تواجهه المنطقة، منذ عام 2003، فهذا المعسكر يعني ايران فعليا، ونحن نرى ان الدول العربية، تلتحق بالمعسكر الايراني، الواحدة تلو الاخرى، من العراق الى سوريا، مرورا بلبنان واليمن، وهاهي مصر الخامسة، ومعها في الظلال الجزائر، ودول عربية اخرى، لها علاقات قوية مع ايران، وهذا يعني كله تحولا خطيرا في بنية المنطقة.
الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، كان قد حض المصريين على الذهاب للقتال في سورية، ولم يبق في موقعه، والنظام الحالي في مصر، اذ يدير هذه التحولات، يمتلك على الاغلب اسباب عميقة، فهي تحولات تأتي في ظل علاقات تاريخية بين مصر والسعودية من جهة، والعلاقات بين مصر والولايات المتحدة، ثم العلاقات مع الاسرائيليين، فهذه التحولات، تشابه المشي على حبل مشدود، وتعبر عن تغيرات لها اسبابها.
علينا ان نثير الخيال السياسي، حول رد فعل الدول العربية الكبرى، ازاء التحولات المصرية، فأهم اربع حاضنات تاريخية للعرب، قبل الاسلام وبعده، اي العراق وسورية واليمن ومصر، اضافة الى لبنان، باتت في الفلك الايراني بشكل او اخر، وهذا التمدد الايراني، استدعى ردا عربيا بوسائل مختلفة، من الحرب على الوجود الايراني كما في اليمن، اضافة الى دعم الفصائل التي تقاتل الانظمة العربية الموالية لايران، كما في العراق وسورية، وصولا الى كل اشكال الدعم المالي والسياسي، لدول عربية، خشية من اختطافها، مثل مصر، والاخيرة، اي مصر، مختلفة عن كل العالم العربي، فهي مصر!.
في تقييمات لسياسيين، فإن الرأي الغالب يتحدث عن « حرد مصري» لاعتبارات كثيرة، ما ادى الى هذه المكايدة السياسية، عبر اشهار اشارات حول تحولات مصرية، نحو المعسكر الروسي الايراني السوري، والاغلب ان اصحاب هذا الرأي يعتقدون ان ما نراه مجرد سحابة صيف سوف تسعى كل الدول العربية النافذة لتبديدها، عبر استرضاء مصر، وفك كل العقد بينها وبين هذه الدول، وهذا مجرد افتراض، على اية حال.
من جهة اخرى فأن هذاالتحول المصري، سيثير غضبا شديدا في محور مهم، وهذا المحور يشعر اليوم، ان القاهرة الرسمية خذلته وانقلبت عليه، مما قد يأخذنا الى سيناريو اخر تماما بعيد عن فكرة الاسترضاء، وهذا السيناريو يتحدث عن عداوة مقبلة على الطريق مع مصر الرسمية، مع مساع لخلخة البنية السياسية في مصر، بوسائل اعلامية وسياسية واقتصادية، ثأرا من هذه التحولات، اضافة الى السعي لترتيب المعسكر المناوئ لايران من جديد، اذا استطاعت هذه الدول، ترتيب اوراقها حقا.
طهران تتمدد بوسائل مختلفة، وهاهي تظهر من جديد في «مصر الفاطمية» وعلينا ان نتوقع كل جديد في هذه المنطقة التي تنام في حال، وتصحو على حال.
الدستور