من ينفذ درر أوراق الملك النقاشية
اسعد العزوني
17-10-2016 12:12 PM
لن أدعي أنني كنت من المنهمكين في أوراق جلالة الملك النقاشية الخمس الماضية ،ولكني كنت على صلة بالمراقبة والتعليقات،وما أن قرأت الورقة الملكية السامية الأخيرة،حتى إلتهمتها قراءة وبحثا وتمحيصا،وكان القرار النهائي،أن جلالة الملك عبد الله الثاني في الشأن المحلي متقدم على حكوماته وبرلماناته وحتى مجالس أعيانه،كما أن بصمته الخارجية يراها الجميع بوضوح،لكن الوضع لا يسمح بأن يفرض الأردن رأيه في القضايا الدولية ذات الصلة،بسبب وحدانية وتفرد الموقف.
قبل الغوص في التفاصيل،لا بد من التأكيد على أن جلالة الملك ومنذ تسلمه مقاليد الأمور في البلاد خلفا للراحل الحسين بن طلال،جاء بفكر منفتح وبروح شبابية، وبنظرة منفتحة متطورة تجاه الدولة المدنية،التي تشكل السياج الواقي لكل من الحاكم والمحكوم،ولكن جلالته ورغم حماسته لتنفيذ رؤاه،وجد أمامه عقبات يصعب إزالتها،وهؤلاء يطلق عليهم " الحرس القديم"،وكانوا يغشون جلالة الملك في تقديراتهم حتى لا يستمر في إصلاحاته التي تسعد الجميع،وبذلك تباطأت عملية الإصلاح قليلا حتى أننا لا نلحظ أي حركة للعجلة.
نحن في الأردن نعاني من ظواهر عديدة أهمها النظرة التقليدية للحكم، وخدعة يمارسها المعنيون لتنفيذ مشاريعهم"الخاصة"التي لا يرضى عنها جلالة الملك لو تم عرضها عليه مسبقا،وهذه الخدعة تتمثل في كلمتين تقعان على السامع كالسحر وهما "من فوق " ، وهذا يعني أن جلالة الملك يرغب بذلك،مع انه في حقيقة الأمر ليس من هذا النوع من الحكام .
ولدينا أيضا ظاهرة المعارضة من أجل المعارضة، وعلاوة على ذلك نجد هذه المعارضة وقد تشظت،وأحدثت بنفسها ما تفعله الريح في بيدر قمح عند درسه حيث يتناثر التبن في الهواء،فها نحن نشهد ألف لون سياسي في قوس قزح الواحد ، بمعنى أن الإتجاه القومي على سبيل المثال وكأنه عولج بالإخصاب وخلّف ألف حزب وحزب، وكذلك ما يحلو للبعض أن يطلق عليه اليسار،وكذا الحال بالنسبة للأحزاب الدينية ،والحال واحد بالنسبة للجميع، ونرى الوراثة والتوريث تتجلى في قيادات هذه الأحزاب ،مع أنهم ينادون بالإصلاح وبالديمقراطية وبتمكين الشباب وبضخ دم جديد في شرايين الدولة الأردنية، وثالثة الأثافي أن هناك معارضة عقيمة تنتشي بنرجسيتها وتتصيد كل من يكتب كلمة لا يمتدحها فيها .
نعود إلى الورقة الملكية السادسة وما ورد فيها من درر،أقسم لو أن الله قيض لها من يطبقها على أرض الواقع،لقفز الأردن الصغير الفقير والضعيف إلى مصاف كبار الدول،لأن الأمر لا يقاس بالحجم وبالثروة وبعدد السكان،بل"على قدر أهل العزم تأتي العزائم"،وليس مطلوبا من جلالة الملك أن يقوم بنفسه بتطبيق درر أوراقه النقاشية،إلا في حالة واحدة،وهي أن يصدر أوامره بإلغاء الحكومة ومجلس النواب ومجلس العيان ،ويشكل مجلس ملك يضم نخبة ممن يشهد لهم بالنزاهة وبالشبع وبالحكمة،لأننا زهقنا مجالس نواب مزورة وحكومات غالبية وزرائها ممن يحملون جنسيات أجنبية.
درر الورقة الملكية السادسة دستور محكم،لكنها مع الأسف الشديد ستذهب أدراج الرياح لعدم وجود من يطبقها،ليس لإنعدام الرغبة الملكية،بل لعدم وجود أدوات جاءت للعمل في الدولة الأردنية بما يرضي الله ورسوله،ولا أطلب إستنساخ الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز صاحب السراجين ووالله لو أن لدينا من المسؤولين من يبتعد بمقدار ألف سنة ضوئية فقط عن هذا الخليفة لما كنا في هذا الوضع.
سمات الدولة المدنية واضحة وأهمها عدم تعيين أي مسؤول نظرا لحسبه ونسبه،بل يجب التدقيق في سلوكه
ومسلكه ونظافة يده وكفاءته ونظرته المتجردة للأمور،بمعني أن يضع المصلحة العامة نصب عينيه،ولا ينظر إلى الأمور بعين واحدة،بمعنى أن يكون تركيزه منصبا على كيفية الحصول على المكاسب،وأن يكون جل هدفه أن يخرج نزيها عفيفا لا كما نرى هذه الأيام،ويجب فعلا البحث عن دماء جديدة مخلصة ،لأنه لا معنى للتركيز على من كان أبوه متنفذا عند تأسيس الدولة الأردنية،فالمسألة باتت مكشوفة وكتب التاريخ وخاصة ما يصدر عن مستدمرة إسرائيل كشفت العديد مما كان مخفيا على الرأي العام الأردني.
نحن بحاجة إلى عقد إجتماعي جديد،فنحن مقبلون على أمر جلل، فما حولنا يتشظى كالجمر في قلب النار، بينما الأردن في طريقه للتوسعة،وبدلا من وجود مكونين إثنين رئيسيين فيه،سيصبح لديه أكثر من خمسة مكونات،وهذا بحاجة إلى طريقة تعامل جديد ،وطريقة تفكير جديدة في تعيين المسؤولين وإدارة البلد.