يشكل الطرح الملكي بعيد المدى بمختلف اشكاله دائما دعوة للمواطنين ليحشدوا طاقاتهم ويصبوا جهودهم لأداء واجبهم الوطني، والتمتع بحقهم بالقيام بالمسؤولية الواجبة.
لقد قطع جلالة الملك قول كل خطيب، في أوراقه النقاشية الزاخرة عندما وضع النقاط المضيئة على الحروف الكثيرة، وقد تروى الملك الرائد وتدبر الأمر بشجاعة ووعي وشعور عميق بالمسؤولية التاريخية تجاه هذا البلد الآمن وتجاه الأمة الواحدة من حولها.. وها هو جلالة الملك في الورقة السادسة الجديدة قد دل الى معالم الطريق لممارسات المواطنة الفاعلة، والقى الضوء الساطع عليها باعتبارها مصدر منعة الأردن الهاشمي العربي العزيز، اذ إن المواطنة هي الإطار الجامع لتفاعل المواطن مع وطنه، ولعلاقة المواطنين فيما بينهم ضمن الدائرة الوطنية للدولة، التي نعتز بالانتماء اليها، وهي المحددة في جغرافيتها السياسية ومركزها القانوني وطبيعتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالمواطنة انتظام عام له محدداته وأبعاده في حياة الناس تتمثل بالمساواة في الحقوق والواجبات، وإعلاء قيمة الحرية وتطبيق مبادئ الحريات العامة والخاصة وقواعدها، مثل حرية التملك والتنقل والمحافظة على الأموال وحرية المعتقد، وكذلك في الهوية الوطنية الواحدة المتمثلة باللغة والرموز والأعراف والعادات والعلاقات الاجتماعية،بالاضافة الى التنمية الشاملة في إطار العدالة، وذلك تجسيدا لقيم "العدالة" و"الحرية" لتأطير "المواطنة" و"حقوق الإنسان" و"الديمقراطية"، باعتبار أن الديمقراطية فلسفة حياة وثقافة إنسانية؛ وممارسة عملية على أرض الواقع من قبل المواطن، تتحقق تماشيا مع انتشار ثقافة المواطنة، التي تتضمن ثقافة الحقوق والواجبات والولاء والانتماء للمجتمع والوطن والدولة، وتقر بحق المواطن في إدارة الشأن العام للمجتمع.
ولذلك أكد جلالة الملك المفدى رعاه الله في الورقة السادسة الجديدة أن المواطنة الفاعلة لا تستقيم إلا في ظل حرص أطراف العملية الاجتماعية وشركائها كافة على موازنة الحقوق بالواجبات؛ أن تفعيل المواطنة يتطلب عمل دؤوب تشارك فيه جميع الأطراف والتيارات، فقامت الإصلاحات السياسية الضرورية لدفع عملية التحول الديمقراطي بما يضمن تداولا حقيقيا وسلميا للسلطة وآليات تكفل رقابة مؤسسية ومساءلة على الصعيدين السياسي والقانوني،وتمكن جميع المواطنين من ممارسة حرياتهم السياسية والمدنية،الفردية والجماعية، والحصول على المعلومات من مصادرها الأولية،من جهة، والعمل على التوزيع العادل للثروة، والارتقاء بالمؤسسات الفكرية والثقافية والتعليمية، بما يمكنها من ترسيخ قيم المواطنة ونشر ثقافة التسامح. وذلك بواسطة العديد من الآليات و الفعاليات التي توفرها تلك المؤسسات،
ولا ريب ان الانتماء الوطني حالة من الفعل الايجابي لا السلبي، ومشروعا نهضويا لبناء الوطن وتعزيز فرص الانتماء الوطني والولاء لقيادتنا الهاشمية الحكيمة،وممارسة حياتية يومية دائمة ومستمرة،ويقوم على التمسك بثوابتنا الوطنية والقومية والحضارية، ومن خلال برامج مدرسية وجامعية لا منهجية بغية تعميق مفاهيم الولاء والانتماء الوطني في نفوس الشباب والشابات،مع الاهتمام بالمجالس والاتحادات الطلابية والشبابية وتعميق الممارسة الديمقراطية في أوساطها والعمل على توفير السبل لضمان أوسع مشاركة فيها،وتوجيه نشاطات الأندية والمنتديات الشبابية والملتقيات الثقافية لتمثل مفاهيم المشاركة، وممارستها في بناء الوطن النموذج، وفي صنع القرار المتعلق بحياتنا حاضرا مستقبلا، وحماية مكتسبات الوطن وإدامتها ، وذلك على منهج الوسطية والاعتدال والعقلانية والواقعية، والمحافظة على الانضباطية والحرية المسؤولة، والتحلي بالجماعية والغيرية، فمصلحة الفرد تتحقق من خلال المجموع لا على حسابهم واحترام الرأي والرأي الآخر، ومحاسبة الذات ينبغي أن تتم قبل محاسبة الوطن، وذلك على أساس البناء على نقاط القوة والابتعاد عن نقاط الضعف،وعلى كل من مكامن القوة والانجاز والتميز لتعزيزها وتوسيع فضاءاتها، وعلى نقاط الضعف والخلل والتغيرات لتلافيها وتقليصها، وأخذ العظة والعبرة،والتمسك بالجوهر.
والله عز وجل نسأل أن يوفق الأردنيين جميعا من خلال مواقعهم الرسمية ومن خلال اوساطهم الشعبية ان يترجموا هذه القناعات التي رسخها جلالة الملك وان يغتنموا هذه الفرصة التي اتاحها جلالته للمشاركة في تقوية دعائم المواطنة والوسطية والبرلمانية، في مختلف مجلات الحياة الوطنية وفي جميع قطاعات المجتمع الأردني الطموح، ومن مختلف الفعاليات المحية المتأهبة للعطاء والانتاج والتفاعل من اجل اردن قوي ومنيع ومتماسك.