النظام التعليمي والحاجة إلى الإبداع والتغيير
الأب عماد الطوال- القدس
17-10-2016 11:42 AM
الآن وأكثر من أي وقت مضى نحن في أمس الحاجة إلى التغيير، التغيير في النظام التعليمي والتغيير في المناهج، كيف لا والعالم بأسره تغمره ثورة، وأصبحنا في عصر الاختلاف والتنوع، وعصر الإبداع والابتكار.
قالت جلالة الملكة رانيا العبدالله في حفل إطلاق الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية: "الكنز الحقيقي موجود حولنا ولا داعي للحفر والبحث، الكنز مدفون في عقول أبنائنا وعلينا أن نستخرجه".
الإبداع هو مفتاح التعليم، فلماذا لا نسعى وراءه؟ يقوم الإبداع البشري إجمالاً على تنوع المواهب والقدرات، قد تكون هذه الطاقات غير مُكتشفة أحياناً، فنحن ننظر إلى التعليم المدرسي أنه تعزيز للحياة والنمو في أغلب الأحيان، ولكن ماذا عن تعزيز الإبداع والتفكير النقدي باعتباره التحدي التعليمي القادم.
عرّف كين روبنسون أحد أهم الخبراء في مجال التعليم خلال محاضرة قيّمة له بعنوان "المدارس تقتل الإبداع" الإبداع بأنه عملية الوصول إلى أفكار مبتكرة ذات قيمة، وأنه أعظم هبات الذكاء البشري، وقدم خلال محاضرته أسلوباً مبتكراً لفهم الإبداع من خلال تحويل التعليم من دور الصانع إلى دور الزارع، وإدراك أن كل طفل يمتلك طاقات إبداعية استثنائية تحتاج فقط للكشف عنها وإخراجها.
دعونا نتناول في هذا المقال أهم النقاط التي ركز عليها خلال محاضرته حول إنشاء نظام تعليمي يقوم على دعم الإبداع بدل قمعه.
مع الأهمية المطلقة التي تميز التفكير الإبداعي في النظام التعليمي، إلا أن هذا النظام في شكله الحالي للأسف يعمل على قمع مواهب الأطفال وقدراتهم الاستثنائية بلا رحمة، إنه لا يغذي أرواحهم ولا يغذي قدراتهم ومواهبهم، وبالتالي فنحن نعلمهم ولكن من خلال إبعادهم عن قدراتهم الإبداعية، فبدلاً من تحفيزهم على المجازفة التي تخلق الابتكار، يتعلم الطفل أن الخطأ هو أسوء ما قد يحدث له، إنه نظام يولد الخوف داخل الأطفال بدلاً من الإبداع، فإذا لم تكن مستعدا لتكون مخطئاً، فلن تنتج أبداً شيئاً مبتكراً.
أينما توجهت أو ذهبت فإنك سوف تجد هيكل هرمي واحد للمناهج التعليمية في أي نظام تعليمي على وجه الأرض، فأولاً تأتي الرياضيات واللغات، ثم العلوم الإنسانية وأخرها الفنون، مثل الموسيقى والفن، وفي رأي روبنسون، أن جميع هذه المواد ينبغي أن تكون على نفس القدر من الأهمية والتقييم، فالإبداع في الرقص أو الفن لا يقل أهمية عنه في الرياضيات مثلاً، إنه إبداع في كلا الحالتين، ولكن لسوء الحظ فإن الطاقات الإبداعية تضيع ولا يتم تقديرها في المدرسة والمجتمع، فنظامنا التعليمي الحالي يقوم على فكرة القدرة الأكاديمية فقط.
وهنا يركز روبنسون على "التضخم الأكاديمي" في جميع أنحاء العالم نتيجةً لذلك، حيث أن الهدف الكلي من التعليم العام في العالم هو إخراج أكبر عدد من الأساتذة الجامعيين كمثال أعلى للإنجاز، بينما هم مجرد نمط آخر للحياة، ومع العدد الهائل من الحاصلين على الشهادات العلمية -حيث أكد أنه في ال30 عام المقبلة، وفقاً لليونسكو، سيتخرج على مستوى العالم أكثر من الذين تخرجوا منذ بداية التاريخ- فجأة أصبحت الشهادات بلا قيمة، ولم يعد بالضرورة لذلك الشخص الأكاديمي أن يحصل على وظيفة بعد تخرجه، لذا أصبح لزاماً علينا إعادة التفكير في نظرتنا إلى الذكاء بتنوعه تميزه وتفاعله بشكل رائع، فالإبداع في أكثر الأحيان يأتي من خلال التفاعل بين الطرق المختلفة للنظر إلى الأمور.
ولأن التعليم هو ما يقودنا إلى المستقبل، مهمتنا اليوم هي تعزيز وتغذية القدرات الإبداعية في أطفالنا وتبني فكرة بيئة بشرية جديدة لتنمية القدرات الإبداعية مثل دمج الإبداع في التعليم.
نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة وتعريف النظام التعليمي لدينا، بحاجة إلى استخدام خيالنا وقدراتنا الإبداعية، مهمتنا تتبلور في تعليم الأطفال لمواجهة مستقبل مجهول، قد لا نرى نحن هذا المستقبل، ولكنهم سيرونه، ووظيفتنا هي مساعدتهم للاستفادة منه، فيستطيعون امتلاك القدرة على تسخير الأفكار الجديدة ويكونوا بذلك قادة الفكر في ذلك المستقبل.
في كلمتها حول واقع التعليم في الأردن وما يواجهه من تحديات قالت جلالة الملكة رانيا العبدالله: "التغيير الأهم هو أن نكسر القوالب الفكرية والمحددات التقليدية التي جعلت تعليمنا جامداً لا حوار ولا حياة تنبض فيه.. ثابتاً تتغير الأزمان وتكبر طموحاتنا وهو لا يجاريهم. فأصعب العقبات نتخطاها بتحرير أنفسنا من الأسوار العالية التي بنيناها داخلنا والتي تحجب رؤيتنا عما يمكن لنا أن نكون".
علينا أن نتعلم كيف نكون مبدعين، وكيف نُمكن أطفالنا من إظهار إبداعاتهم أيضاً أينما كانت، فكل طفل لديه طاقة إبداعية خاصة به، واجبنا يكمن في الكشف عنها وتشجيعها، أنا متأكد من أن هناك العديد من المدارس التي يمكن أن تنجح في ذلك، والعديد من المعلمين الذين سيضيئون هذه الشعلة رغم كل الصعاب.