جاءت ورقة الملك النقاشية السادسة، صريحة جدا، وتحوي نقداً مباشراً، لممارسات نعيشها يوميا، والتشخيص هنا، يفتح باب التساؤلات، عن الكيفية الواجب على الحكومات والمؤسسات والمجتمع، اتباعها، لتجاوز هذه السلبيات، التي باتت ذهنية سائدة.
يقول الملك ...» انني اعرف من التجربة ان كل فرد يقبل ويتبنى مبدأ سيادة القانون من الناحية النظرية ولكن البعض يظنون انهم الاستثناء الوحيد الذي يعفى من تطبيق هذا المبدأ على ارض الواقع، وبغض النظر، عن المكانة او الرتبة او العائلة فان مبدأ سيادة القانون لايمكن ان يمارس بانتقائية».
هذا الكلام، يعبر عن المشكلة الكبرى البنيوية، التي تؤذي البلد، اي ان اغلبيتنا، تريد سيادة القانون والعدالة والمساواة، لكنها تتصرف بشكل معاكس عند مصالحها، والشعور بكون هذا الفرد او ذاك الطرف او تلك العائلة او ذلك المسؤول ومن معه، بمثابة استثناء، في البلد، يحصل على كل شيء، ويوقف تطبيق القانون، بحيث يأكل القوي الضعيف، ويأخذ المتنفذ وظيفة الاضعف لصالح الاقرب او الذي يخصه، أو يكسر القانون تعبيرا عن الغضب، اتكاء على علاقات او نفوذ في المؤسسات، او يتم تضييع حق انسان، مقابل خصم اكثر قوة ، وكل هذا ولدّ هذه المشاعر بغياب العدالة، وتحول الى مشاعر من الضغينة، والطبقية الاجتماعية، وضياع الحقوق، وتتورط المؤسسات والمسؤولين من درجات مختلفة، اضافة الى الناس، في هذه الممارسات السيئة.
كلام خطير، للغاية، يمتد بمعناه الى كل شيء، من الواسطة والمحسوبية، وتطاول الناس على بعضهم البعض، وتطاول الناس على الدولة، واستعراض القوى الاجتماعية، والاتكاء على العلاقات او النفوذ او على المسؤولين، او تصنيف الناس الى طبقات، بعضها يحق له كل شيء، وبعضها لايحق له اي شيء، وربما الجميع يتورط في هذه الممارسات، بما في ذلك المؤسسات والمسؤولين والافراد، وهذا تورط أدى الى غياب الثقة بالقانون وبالدولة، وشيوع الخوف والحسابات الصغيرة، امام الممارسات التي نراها يوميا، فهذا فرد يتم التعامي عنه لو اطلق النار في زفافه، وذاك يطبق عليه القانون، وهذا يتم تكفيله عند مشكلة لوجود علاقات له، وذاك يتم رفض تكفيله، وهذا يتم توظيفه، وذاك يتم رده، وهكذا.
برغم ان كل القوانين تصوغ رؤية تتطابق مع هذه الافكار، الا ان المشكلة تكمن في بنية المؤسسات حصرا، والذين يديرون هذه المؤسسات ويتبنون ثقافة الاستثناء، واغلبهم نتاجها، وهذا تراكم طويل الامد، ولعل السؤال يتعلق بالكيفية التي يمكن اعادة الناس فيها، الى مواطنتهم، بمعنى العدالة، والخضوع للقانون، دون وجل او خوف من مداخلات تكسر العدالة لصالح فكرة الاستثناء، ومبدأ الاستثناء نراه في كل تصرفاتنا، من التوظيف الى اطلاق النار في المناسبات، الى التعدي على هيبة الدولة، الى توظيف العلاقات والنفوذ والمكانة في الخصومات، او حتى استسهال تطاول انسان على انسان، او طرف على طرف، بأعتبار احدهما اقوى من الاخر، لاي سبب كان.
اعادة الناس الى مربع العدالة والخضوع للقانون والتخلص من عقدة الفرادة، او الشعور بالاستثناء، يوجب بصراحة اعادة النظر بكل المؤسسات الرقابية التي ترصد وتراقب الخروقات في هذا الصدد، وتقويتها، مع اللجوء الى آليات لكشف هذه الخروقات، اضافة الى احداث تغييرات بنيوية على المؤسسات، تأخذنا الى خلخلة الذهنية التي تقبل بفكرة الاستثناء، وتقوم بتثبيتها بأعتبارها باتت نمطا اجتماعيا سائدا، وهو نمط يهدد بنية الدولة، ويجعل ابناءها، على خلاف بشأن قدرتها على حمايتهم.
هذا الجزء في الورقة النقاشية، خطير للغاية، وهو يفرض على الحكومة والبرلمان وجهات حقوقية اخرى، العمل معا، من اجل انهاء ظاهرة الشعور بالاستثناء على المستوى الفردياو الجمعي، خصوصا، حين نرى، ان هذه الظاهرة، تؤدي فعليا، الى اشاعة الاحقاد والكراهية، وعدم الثقة بالدولة، ومؤسساتها، وقدرتها على صيانة حقوق الناس.
تسييل هذا الجزء الى واقع جديد، بحاجة الى وقت وجهد، والى اشارات على ارض الواقع، تنهي ظاهرة « الدم الازرق» التي تتملك الفرد بسبب الثروة، او المكانة، او الرتبة ، او العائلة، وللاسف فان اغلبنا ينتقد هذه الظاهرة، لكنه لايمانع من التورط فيها، اذا تمكن من ذلك، حماية لنفسه ولوجوده او تحقيقا لمصالحه، او اثباتا لنفوذه، ونحن بحاجة فعليا الى اجيال جديدة، تولد من رحم الشعور ان الوطن فقط هو الاستثناء الوحيد المقبول.
الدستور