أتدرين يا فاطمة ؟ من حُرم لذة الاستغفار بعد اقتراف الذنوب ، لم يعرف بعد أن الذنوب هي أيضاً من الجنود المجهولة ، تأتينا خلسة ، لتتيح لنا فرصة الذَّكر!
أتدرين يا فاطمة .. نحن نحب أنفسنا أكثر حينما يحبنا أحبابنا، أما حينما يعشقوننا، فننافس نرسيس في عشقنا لذاتنا، كم نصبح أجمل حينما نُعشق ونَعشق!
أتدرين يا فاطمة؟ لو كنت أدري. . لما بقي شيء أعيش من أجله!
أتدرين من اليتيم يا فاطمة؟ اليتيم يا فاطمة... يتيم الوطن!
أقْصى درجات العَجْز، وربما أحلاها وأكثرها مَرارةً، يا فاطمة، حين يُصْبح المرء عاجِزا حتّى عن الخِيانَة!
أتدرين يا فاطمة؟ الكل يسرق، ولكن الفرق بين سارق وآخر أن البعض يشعر بالندم، والبعض لا، البعض يسرق أحلاما وآخرون مصائر وأوطانا كاملة، قليلون هم من يسرقون المال والطعام.. وآخرون -يا للسخرية- يسرقون أنفسهم!!
أما علمتِ يا فاطمة ماذا حل بعد رحيلك!؟ خيْرٌ لك أن لا تعلمي ... كي لا تموتي مرتين!
أتعلمين ما الحب يا فاطمة؟ الحب أن يعود اليهود من حيث أتوا طوعا أو كرها، وتتخلص فلسطين والأمة من سرطانهم!
ما الفرح يا فاطمة؟! الفرح في بلادنا أن لا يكون ثمة حزن فقط، وحتى حينما نضحك كثيرا نقول: الله يسترنا من هالضحك!!
ألم تقولي لي يوما، أن الموت الحقيقي، هو حينما تتوقف قلوبنا عن الحب!؟ أخشى ما أخشاه يا فاطمة أن قلوب الكثيرين لم تعد تتسع إلا للكراهية، وأن من نراهم يدبون على الأرض ليست إلا كائنات من دخان أو مستحثات بشرية!
ما الجمال والقبح يا فاطمة؟! أتدرين أن تلك الأخاديد والتجعدات التي حفرها الزمن في وجه أمي تضاهي أجمل وجوه النساء قاطبة!؟ وتبعث في صدري شغفا متفجرا بالحياة والبكاء حُبا وعشقا!؟
ومن أصعب ما مر علي يا فاطمة، حين طرقت أبواب مملكة النوم، فلم أجدك هناك، فعدت أجرجر أذيال الأرق!
أتدرين ما القهر يا فاطمة؟ القهر يا عزيزتي، هو رؤية أشباه الرجال، بل أشباه الذكور، وهم يعربدون، ولا تستطيعين أن تدوسي رؤوسهم بالنعال!
ذلك الشال، كان بلون الفصول الأربعة، لهذا، كنت حينما أراك تصيبني قشعريرة الزمهرير والحمى في آن واحد، وتهوي بي الحرارة، من حدود الاشتعال، إلى حدود التجمد، يومها أيقنت يا فاطمة، أنك لم تكوني كائنا إنسيا بالكامل، وأيقنت أنه لا يمكن أن أعيش معك حياة «طبيعية»، لهذا، قررت أن أكتفي برؤيتك من بعيد!
اسمعي، يا فاطمة، لا تتوقفي عن شرب قهوة الصباح، سأواظب أنا أيضا على شربها معك، حتى وأنا بعيد، حياتنا يجب أن تستمر، حتى وأنا أتهيأ لسفرة قد لا أعود منها، اعتني جيدا بالقط، واحرصي على سقاية نبتة الزعتر البري، أحب الشاي المعطر بها، وسرحي شعرك كل ليلة قبل أن تنامي، كما كنت تفعلين، ولا تنسيْ رشة العطر التي أحب، صحيح أنني قد لا أعود، لكن كوني على ثقة أنني سأكون سعيدا في عليائي إن ارتقيت، فيما أنت تتزينين كل ليلة، كما لو كنت موجودا معك..
أشعر يا فاطمة أننا في حافلة، لكل من ركابها مقود خاص به، وكلهم يقودونها، أو هكذا يخيل لهم، فيما يقودها ويقودهم فعلا «روبوت» غير مرئي إلى حيث لا يعلمون!
وإلى رسالة اخرى!
الدستور