عشية صدور قرار منظمة»اليونسكو» باعتبار حائط البراق إرثا للمسلمين،ولا حق لليهود بأي إدعاء تاريخي إبتدعوه لسرقة التاريخ وتزويره بناء على مطامع لتأسيس مجد لم يكن أصلا، كتب «آري شبيط» مقالته في هآرتس متفاخرا بانتصارات العرق اليهودي على كل أعدائهم واكتشف أنهم أيضا خسروا المعركة الوحيدة مع أنفسهم، فهو يقول «يعود سيناريو الهيكل الثاني أصولية وانقساما وكراهية، الشعب الذي كان ذات مرة شعبا حكيما لم يعد يرى والدولة التي كانت ذات مرة دولة متنورة، تغرق في الظلام، كل يوم وكل ساعة تقوم الصهيونية بدفن نفسها في تلال يهودا والسامرة وهاوية الدولة الواحدة، بعد انتصارنا على اللاساميين و النازيين والعرب والفلسطينيين،نخسر للإسرائيليين أمام أنظار التاريخ، ونحن نتحول الى العدو الأخطر على أنفسنا».
شبيط يذكرنا بـ»أوري أفنيري» الشهير، إنه يفضح الكيان الصهيوني داخل السور الإسرائيلي وقادة الدولة والحكومة التي نشأت على أسس علمانية يباركها حاييم وايزمان ويرأسها ديفيد بن غوريون، قبل أن تلد الشيطان الصغير الذي بدأ يكبر فيكبر حتى أصبح حكومات عنيدة عمياء لا تسمع سوى نفسها ولا تقبل بغير رأيها، لقد نسي الوَرَثة الصهاينة الصغار مناهج العلمانية والليبرالية التي كانت بضاعتهم المغشوشة لسرقة الأرض العربية، واعتنقوا منهج اليهودية المتغطرس، واختارغالبية السكان اليهود بنيامين نتنياهو ليقود حكوماتهم الى لا شيء، فقط حروب ضد الأطفال ومناكفات، وبكائيات على الحائط الغربي الذي فقدوه من جديد.
حائط البراق حصل على شهادة ميلاد عربية جديدة، ليست موقعة من الحكومة الأردنية ولا من مكتب الرئيس محمود عباس حتى يمكن إنكارها، بل من أكبر منظمة أممية تعنى بالشؤون العلمية والتاريخية، إنها لجنة التراث العالمي،إنها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، التي يقوم على أعمالها وقراراتها نخبة من الأعضاء العالميين المهنيين غير المنحازين ، ولا يتقبلون الهرطقات وأكاذيب التاريخ المزيف، ولهذا كان للقرار وقع يشبه إنهيار العمارة رقم 37 في حي يريمياهو على رأس ساكنه بنيامين نتنياهو ، الذي هاجم المنظمة وقرر الإنفصال عنها، وكذلك فعل البيت الأبيض في أمريكا، إنهم لا يريدون سماع الحقيقة لأنهم يعيشون في عالم من الأكاذيب.
الدور الأردني كان كبيرا وجبارا مع الأشقاء في السلطة الفلسطينية، لقد أقرت اللجنة في شهر نيسان الماضي مسودة القرار وتم تبنيها رغم إنسحابات بعض الدول التي وقعت عليها كفرنسا والبرازيل نتيجة الضغوطات الإسرائيلية المرتبكة، ومع هذا استمر الأردن بإصراره لانتزاع الإعتراف الذي يعيد حائط البراق الغربي الى الوضع القديم قبل الإحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس ، وهذا إنتصار كبير نحققه بعد سنوات من النزاع، ورغم بقاء سلطة الإحتلال هناك، ولكنه عرّى حكومة نتنياهو والمتطرفين هناك، وهزم كذبة التاريخ غير الموجودة إلا في عقلية حكومة تل أبيب ومهرجيها.
إن للحائط قدسية معنوية ومادية لدى المسلمين لأنه جزء من قدسية المكان الأكبر، الحرم والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، وقدسية التاريخ هي جزء من قداسة الدين وأماكنه وأعلامه، فلا يمكن لأي كتاب أو منهج أن يغفل سيرة الآباء والأجداد الذين نشروا السلام ومبادىء الإيمان على هذه الأرض وأسسوا للحضارة الإسلامية بالرحمة والتعاون على البرّ والتقوى والعدل ، وعندما ربط الرسول الأعظم محمدعليه الصلاة والسلام، دابة البراق التي أسرّى الله به عليها في ذلك الجدار، كان خلفهم عندما صلى بالأنبياء جميعا ومنهم موسى وعيسى عليهم السلام، وهذا أمرّ لا يفهمه عقل موتور مثل صهاينة إسرائيل الذين لا يريدون السلام ولا للمتطرفين الذين لايريدون الإسلام.
لهذا يجب على الأردن و الفلسطينيين التوجه الى المزيد من المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة التي لا تمتلك الدول الخمس فيها حق النقض،فالعالم يتعاطف كثيرا مع قضيتنا في مواجهة إسرائيل، ولكن نحن لا نتعاطف مع أنفسنا التي لا تقبل الإهانة من عصابة يمينية متطرفة تتحكم بالقرار في تل أبيب ولا تحترم مواقفنا ولا تعترف بحقوقنا التاريخية، بل تريد أن تبيعنا بضاعتها الرديئة، وتسوّق علينا إدعاءاتها الكاذبة في الوقت الذي تسرق فيه الأرض والتاريخ لتجيره لصالحنا.
إن كان شبيط يعترف بأن إسرائيل لم تنتصر على نفسها، فيجب أن لا نخسر أنفسنا لنشتري قرنا جديدا من الآكاذيب الصهيونية، ونحن نعلم تماما أن الحق لا يضيع بل ينتصر دائما.
الراي