سجالات عن الفساد في الأردن تقود نذر التغيير
د.مهند مبيضين
24-09-2008 03:00 AM
تصعب تسمية الراهن السياسي في الأردن بما يحويه من خلاف يرقى إلى مستوى الصراع المتصاعد بين مراكز قوى تدير معاركها بشكل قد يبدو خفياً، لكنه كجبل الجليد لا يمكن تجاهله. مراكز قوى ولدت في رحم الدولة، تضم جناحين، الأول يرى أن لا فكاك عن الدولة خياراً وحصناً يجب التمسك به، والحيلولة دون تفكيكه، وهذا الجناح مزود برؤية وطنية ذات روح متصالحة، لكنها واثبة بما يجعل نقدها أحيانا يُفسر على انه نزعة إقليمية، وهذا الجناح محصن بثقافة المؤسسة الأردنية التي تختلف عن ثقافة التراكم في الإخفاقات الأيديولوجية، وهو يمثل كبار الموظفين المدنيين والعسكريين أو أبناء المتقاعدين ممن هم اليوم في مواقع متقدمة أو من الوطنيين الأحرار في الحركة الحزبية الطلابية من الصحافيين وتحديدا جيل جامعة اليرموك في أواسط الثمانينات.
وجناح آخر لا يعي بعد المعنى الذي يدافع عنه التيار الأول لأن هذا الجناح يطالب مسبقا بان تحل أزمته أولا، وهي تتعلق بالحقوق والمواطنة ولو كان فيها ما فيها من اقتطاع من حساب الأردن مجتمعا ودولة ومؤسسات سيادية، او حتى على حساب القضية المركزية فلسطين.
وهنا يقع الصدام بين رؤية وطنية، ورؤية حقوقية تطالب بعدالة قضيتها أو تريد إقناع الملك بأنها مهمشة ومستهدفة. إذاً لدينا سجال محتدم، وسيزيد دفقاً بالجدل إذا لم يحسم، وفي وسط هذا الاحتدام يتوالى الحديث عن دور لأهم مؤسسات الدولة الأردنية وهي دائرة المخابرات العامة، التي لا يشك أردنيا وفي ظل مديرها الحالي بولائها وحرصها على المشروع الوطني.
وبالرغم من محاولة البعض تصوير الصراع الدائر بين القوى الوطنية والليبرالية على انه صراع بين رؤى المخابرات من جهة، وهي المدافعة عن الدولة ومؤسساتها والقوى الليبرالية التي يمثلها في الأردن وزراء مثل وزير الخارجية وأمين عمان رئيس الديوان الملكي الحالي باسم عوض الله وبعض أنصاره.
في ظل هذا الجدل شكل مجلس النواب الأردني في خطوة غير مسبوقة لجنة مستعجلة للنظر في قضية فساد العقبة، وبرغم محاولات البعض من الكتاب المحسوبين على الجناح الليبرالي في الدولة الأردنية تفسير الدعوة لموجهة الفساد ومحاسبة المفسدين بأنها دعوة إقليمية، وأنها محصلة للصراع بين مراكز القوى، إلا أن اللجنة المستعجلة بٍرأي الشارع ضرورية وملحة.
وهذه اللجنة تأتي في ظل دفق إعلامي وسجال كبير حول الفساد في الأردن، والذي تحول الجدل فيه من أطره الحسابية إلى حسابات هوياتية أحيانا بحيث لم نعد نميز بين المدافعين عن المفسدين والفاسدين أنفسهم، وصار ينظر للوطنية بأنها شبهة إقليمية، فالمسالة تحتاج إلى عقلانية اكبر، وما يهم هو مستقبل الأردن، والعدالة مع الجميع من أي خلق كانوا، ولأي عرب أو قبيلة انتسبوا.
يدرك الجميع في الأردن أن القول الفصل حول كل ما يدور كامن في عقل الملك، وان الخيار الأبقى دوما لهم هو الحفاظ على هيبة الدولة ومؤسساتها من غول الاستثمار أو المقاولين، وأنهم لا يرفضون الاستثمار الشفاف المعقلن حتى لا يصور الأردنيون بأنهم ضد التحديث فهم لم يعارضوا قبل سنوات بيع حصص الدولة في الشركات الكبرى والاتصالات فذلك كان بيع من الدولة لدول مقابل مقايضة بالديون، أما ارتفاع صوتهم اليوم فمرده التعامل مع البلد من قبل البعض على أنها عطاء مقاولات، ويدرك الكثير أن للملك عبد الله الثاني أسلوبه الخاص في إنهاء الجدل في مصير أي قضية.
فهو حين يكون الأمر مرتبطا بسمعة البلاد ووحدتها الوطنية يغلّب الوطن على جميع الحسابات، مهما كان وزن الشخصيات المرشحة للدخول بين أحجار طاحونة مكافحة الفساد الذي استطاع الأردن المضي بمكافحته في العشر سنوات الأخيرة بشكل ملموس.
فما يحدث في الأردن، هو ما تحتمله أي عملية ديموقراطية ناجحة، وما يسجل من ايجابيات للراهن الأردني هو تفوق الإعلام على القطاعات الأخرى - مثلا مجلس النواب - في كشف الكثير من ملابسات الفساد والصراع المزامن له، وهذا أخذته على عاتقها صحف مستقلة وبدرجة أدنى، حكومية، مثل الغد والعرب اليوم ووكالة عمون الإخبارية، وبحذر شديد، الرأي، في حين غابت صحف أخرى بدا أنها مرهونة لحسابات هوياتية. ـ عن الحياة اللندنية