«ضوء أسود» لمحمد أبو سماقة .. المجتمع بعين الدراما
فارس الحباشنة
12-10-2016 01:40 PM
الدراما الاردنية قدمت اعمالا ساحرة الابداع: نصا واخراجا وتمثيلا، عرفت كيف تخاطب الاردنيين، وعرفت كيف تطرح قضيتهم الوطنية الاجتماعية والسياسية والانسانية الى العالم، وهذا التقديم ليس وصفا لثقة زائدة في الدراما الاردنية، انما منحها قيمة اضافية.
في عمله الدرامي الثاني «ضوء اسود» بعد» التراب الاحمر « الذي ولد قبل 15 عاما، يعاود محمد ابو سماقة تقديم سيناريو دراميا يسلط الضوء على المجتمع الاردني وجدلية الصراع والتحول. وبمهارة درامية، عرف كيف يقدم الصراع الاجتماعي بابعاده الاقتصادية والسياسية والثقافية بتقنيات درامية، ويوظف الجرح الاجتماعي بدلا من مواجهته.
باسلوب ادبي درامي يمزج بين شاعرية اللغة وقوة تقنيات الحوار، ويسرف في جمالية بناء شخصيات العمل الدرامي، ويمزج بين الواقعية النقدية والدراما الاستعراضية المتحركة، فان « ضوء اسود» يستحوذ على شد انتباه المتلقي الذي يتماهى في لحظة ما مع الاحداث والوقائع، ويخرج عفويا من الزمن العادي ليلامس زمنا دراميا مليئا بالدهشة والانبهار والخوف والحدس، وليعود بعدها لاستئناف حياته الطبيعية.
الدراما هي التاريخ السري لأي مجتمع، وبالاخص بسردها لما هو متشابك وشائك ومسكوت عنه في العلاقات الانسانية داخل المجتمع، وبحس صحفي وسياسي التقط ابو سماقة الخيط الرفيع، وتحدث عن اسرار المجتمع الاردني، والثابت والمتحول في صراعية التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي.
وهذا ما يجعل من «ضوء اسود « معبرا عن حقب معاصرة من تاريخ الاردن، وهي ميزة ادبية تقوي الدراما، وتمنحها قدرة عند تحويلها الى مادة مرئية أمام الكاميرات. فالصراعية الاجتماعية تمنح بالعادة الدراما قدرة واسعة ولافتة على تشريح المجتمع، وهناك نماذج كثيرة في تاريخ الدراما العربية : ليالي الحلمية وارابيسك والمصراوية ونهاية رجل شجاع وغيرها.
وعلى ما يبدو أن ابو سماقة في تراب احمر وضوء اسود مؤمن بان المسافة بين الخيال الادبي والواقع هي صفر، وهو النهج الذي سار عليه كتاب الواقعية، وهي محاولة ادبية لتقصي طريق يمزج بين الطرافة والمفارقة والخيال القريب والفزع بالاقتراب من المجتمع بمصيره وتحولاته وانكساراته وتخيل مستقبله ايضا.
وربما تكون» ضوء اسود « هي وجه مواز لروايتي تيسير السبول «انت منذ اليوم»،وغالب هلسا «سلطانة «، فهي تجيب عن اسئلة معلقة في الذاكرة الاردنية. رغم قلة انتاج ابو سماقة الادبي الا انه دخل في دوائر الضوء مزاحما بابداعاته الادبية.
وأمام التلفزيون الاردني فرصة قوية وثمينة، وليس من باب الانحياز لكاتب العمل الدرامي، ولكن من زوايا نقدية موضوعية بحتة، فـ «ضوء اسود «، يمكن أن يتحول الى عمل درامي تلفزيوني على درجة عالية من المنافسة محليا وعربيا.
"الدستور"