كنا سويا مع حشد كبير نحضر حفل إشهار كتاب طيب الذكر دولة الأستاذ طاهر المصري في " مؤسسة شومان ", وعند خروج الجمع في نهاية الحفل, إلتقينا صدفة , بادر كرما منه بالسلام والسؤال عن الحال , وطلب أن أزوره , وهكذا كان .
تناول الحديث كل شيء كما يفعل سائر الاردنيين في هذه الأيام , وتمحور جله حول شؤون الساعة في بلدنا , كنت وبذهنية الصحفي, حريصا على أن اكون مستمعا اكثر مني متحدثا , فانا أريد ان أتعرف اكثر على نمط تفكيره , ورؤيته لما يجري في بلدنا هذا الأوان, لكنه وبأدب جم , من رجل دولة حقيقي غير متكلف , حرص على ان نتجاذب أطراف الحديث الند للند .
شد إنتباهي كثيرا , تمنياته للحكومة الجديدة بأن تنجح في حمل أمانة المسؤولية , خلافا لما هو مألوف من كثيرين سواه في هذا الزمان , عندما لا تخفى تمنياتهم بان تتعثر الحكومات! , عسى أن تتدحرج الكرة بإتجاههم . لم يتلفظ باسم رئيس الوزراء كما هو في بطاقته, بل إستخدم غير مرة اسم , " دولة أبو فوزي", وانقل تعبيره حرفيا.
شد انتباهي اكثر ,أنه لم يذم أحدا من "رجال الدولة " عاملين وغير عاملين , حتى من كانوا له خصوما عندما كان في صلب السلطة , وأشهد بأنه قد تحدث بما يعبر عن إحترامه لهم جميعا , وبلا إستثناء , ولم يتطرق لعيب أو نقد لأي منهم إطلاقا , برغم كل محاولاتي أخذه ولو بالإشارة, إلى أخطاء أي منهم! , فلم يوافقني الرأي وإكتفى بالقول , نحن بشر نصيب ونخطئ, ومن منا لم يخطئ في حياته .
يرى أن على الجميع في هذا الوقت العصيب وفي كل وقت , أن يكونوا يدا واحدة لمصلحة الاردن , ومع الملك , والحكومة , والبرلمان , والجيش والقوى الأمنية , إن كنا حريصين على بلدنا , وإستدرك , أنا متيقن تمام اليقين , من أن الجميع حريصون على البلد سواء كانوا معارضة أو موالاة كما نقول , ربما تختلف الإجتهادات , وهذه ظاهرة صحية وديمقراطية , لكن الجميع في بلدنا غايتهم الحفاظ عليه , وهذا واقع مفرح ومبشر , ويجب تعظيمه والبناء عليه .
عبر عن سعادته وإشادته بنزاهة الإنتخابات , وإمتدح إصرار جلالة الملك على إجرائها في زمن إقليمي عصيب , وأعرب عن تفاؤله بالمجلس النيابي الجديد . سألني عن توقعي من سيكون رئيس المجلس , قلت , لا أعرف فانا بعيد عن الاجواء , قال , هم جميعا أبناء بلد واحد , وربنا يجيب اللي فيه خير للبلد .
لم يخف إنزعاجه من كثرة الإشاعات , وجنوح البعض إلى مقاربة التطرف في الرأي والممارسة العملية , وأعتبر ذلك ظاهرة غريبة في مجتمعنا , وحذر كثيرا من تناميها .
تحدث مطولا عن إعجابه بالنهج القيادي العصري لجلالة الملك ,وأكد كثيرا على اهمية وحتمية تفاعل الشارع إيجابيا مع هذا النهج , وإسترسل في الحديث عن تقصير المجتمع الدولي عن دعم الاردن الذي ينوب عن العالم كله في تحمل أعباء تفوق قدراته , وأثنى على قرار التوقف عن السماح بدخول المزيد من اللاجئين , معتبرا أن الأمن الوطني يتقدم على كل أمر .
أشاد بالجيش والأجهزة الامنية كثيرا , وقال , هؤلاء الشباب يصلون الليل بالنار في حمل أمانة حماية حدودنا وأمننا , وسط ظروف صعبة تحيط بنا , وواجبنا جميعا شكرهم ودعمهم بأقصى طاقاتنا , وانا مطمئن بوجود هؤلاء الشباب تحت قيادة ورعاية " سيدنا " ,
بأن أمننا بخير بعون الله .
تحدث عن ظروف الاردن الإقتصادية بتفاؤل حذر , وقال نحن نتحمل أعباءنا وأعباء غيرنا , لسنا سببا في أي من أزمات المنطقة , ولم نكن يوما كذلك , لكننا في طليعة من يتحملون وزر مخرجاتها وتداعياتها , ومع ذلك لا نحظى سوى بالدعم القليل الذي يسمن ولا يغني .
وأكد , أشقاؤنا في دول الخليج العربي ما قصروا معنا كشأنهم دائما , ولهم بالغ الشكر , لكن المجتمع الدولي المنخرط في حروب المنطقة , مقصر , وجلالة الملك , لا يدخر جهدا في التعبير عن معاناتنا جراء تلك الأزمات الطاحنة , وانا على يقين من أن جهود جلالته ستثمر إن شاء الله , فجلالته يحظى بإحترام وتقدير عالميين واسعين , وعلينا إستثمار هذه السمعة الطيبة بما يوازيها من إهتمام .
إعتبر أن الذكاء السياسي كفيل بإعادة ترتيب الأوراق حيال أزمات المنطقة العربية , واكد أهمية تفعيل هذا الذكاء من جانب الدول المنخرطة في هذه الأزمات, بهدف الإسهام في بعثرة بعض التحالفات التي تطيل أمد الازمات , ودعا إلى التفكير مليا بجهود قد تكون بذلت على هذا الصعيد , مشيرا إلى أن طول أمد الازمات ,قد يفتح بابا واسعا لتدخلات آخرين يزيدونها تشعبا وتعقيدا .
طال اللقاء , وكان لديه موعد آخر , فإستأذنته وإنصرفت , متمنيا أن يكون الاردن غنيا بهذا النمط من رجال الدولة الذين لا يعتبون لأمر خاص , ولا يغضبون لأمر خاص , لا يذمون خصما , ولا يتمنون العثرات لغيرهم كي ينالوا منها نصيبا , موقفهم صريح واضح , سواء أكانوا في غرف مغلقة , أو في الهواء الطلق , لا يبحثون عن الأضواء , ولا يوظفون إعلاما رخيصا بغية " تلميع الذات " , أو للفت الإنتباه على طريقة , نحن هنا ! , يحبون الوطن لمجرد أنه الوطن , ويتفانون في خدمته , وليس في تاريخهم لوثة قد تثير في ذواتهم , ضعفا أو حياء أو إنكسارا امام الحقائق , ويزيدون على كل هذا , ذكاء سياسيا , وسعة أفق وملكة إدراك, وإقداما في قول الحق وإتخاذ الموقف الحق .
دولة عبد الكريم الكباريتي, بارك الله بك ولك وعليك, وأكثر من أمثالك, في بلد يحتاج لأمثالك دوما , وأنا أعرف العديدين منهم , داخل السلطة وخارجها . المجالس أمانات , هذا صحيح , وعذرا سلفا أبا عون أني لم أستاذنك في النشر . الله جل في علاه من وراء القصد .