حيرة أردنية في "سجال النهار الثقيل"
د.مهند مبيضين
11-10-2016 11:50 AM
خرج الأردنيون من انتخابات المجلس الثامن عشر في العشرين من أيلول (سبتمبر) الماضي بكمٍّ من الطرائف، والمواقف، والعتب والجدل، وانتهت عملية الإعلان عن نتائج الانتخابات بالقول: أن الصندوق رقم 92 في دائرة بدو الوسط مختفٍ وغير معروف القرار، في إشارة سلبية عن مسؤوليات الجهة التي كُلّفت حمايته. ولكن ما قوّض العبث في الانتخابات، أنها جاءت، على رغم الخروقات الطفيفة، بلا تدخُّل من الدولة وبلا تزوير، وذلك على رغم نسبة المشاركة المتدنّية فيها، وهي نسبة لا تمثّل الكثير من الأهمية، طالما التزمت الدولة بالانتخابات في موعدها أو ظلّ إجراؤها ممكناً على رغم ظروف الأردن الصعبة.
لم تكد الانتخابات تنتهي، حتى جاء حادث مقتل الكاتب ناهض حتر، الذي قضى نتيجة اغتياله بيد متشدّد يعمل في إحدى وزارات الدولة، ومع أن الجدل ثار عند اعتقال حتر، والذي تزامن مع اعتقال أكاديمي وداعية إسلامي آخر هو أمجد قورشه، وهو ما صُنّف بأنه تضييق على الحريات، إلا أن تقدير الموقف عن تداعيات اعتقال حتر ونتائجها عليه وعلى حياته، قد يكون أمراً لم يدرس جيداً، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن حتر نال منه الكثيرون نقداً وتشفياً غداة اعتقاله؛ نتيجة مواقفه الداعمة لنظام بشار الأسد، وأيضاً لكون الرجل يجهر بعلمانيته في مجتمع جله الكبير من المسلمين.
في هذا السياق، ثار في الشارع الأردني جدلٌ حول تعديلات المناهج المدرسية، والتي واجهتها القوى المحافظة باعتبارها ليست تطويراً، بقدر ما رأتها انتصاراً للتيار العلماني الموصوف بأنه نفر من «الكفرة»، وبالتالي نزع الهوية الإسلامية عن بلاد تتمتع بشيء من مقولة الشرعية الدينية للحكم فيها، وينص دستورها على إسلامية الدولة.
لم يقف الأمر عند حدّ الجدل، بل زاد إلى أن وصل بالمعلمين إلى رفض التعديلات، واعتماد مناهج موازية تتضمن المناهج في صورتها الأولى، وكذلك نظّمت نقابة المعلمين وقفات احتجاجية مع التهديد بالوصول لخيار الإضراب، وكذلك تفاعل الطلاب، فرموا مناهجهم وكتبهم وأحرقوها، لتردّ الدولة على لسان وزير الدولة للإعلام بأن "من أحرق الكتب سيحاسب".
كل ذلك يحدث مع بدء عام دراسي جديد، تتأخر فيه الكتب عن الوصول للمدارس، وترتفع الأسعار بشكل كبير، وتتعاظم البطالة، مع استشهاد شاب أردني في القدس من دون موقف مكافئ للاغتيال من قبل الحكومة ولو باستدعاء السفير الإسرائيلي، يضاف إلى ذلك إحساس بأن الإبقاء على نائبي رئيس الحكومة هاني المُلقي بعد تشكيل حكومته الثانية لم يحمل مجيء أي وجوه إصلاحية، بل كرس القبضة الأمنية والوجوه العتيقة التي لن تمنح المُلقي فرصة التصرف كرئيس، وهو ما لم يحدث بعد من طرفه، خصوصاً إذا ما قورن بمن كان قبله وهو عبد الله النسور، وهذه الوجوه التي تقيده على ما يبدو ولا تريح الناس، ممثلة بوزير الداخلية سلامة حماد المتهم بأنه تسبب بما جرى في انتخابات دائرة بدو الوسط على زعم أبناء قبيلته، وهو أمر مستبعد، لكن هذا الوزير وجوده لا يريح الكثير من دعاة الإصلاح وتبديل الوجوه.
أما النائب الثاني لرئيس الحكومة فهو وزير التربية والتعليم، ذو الخلفية الإسلامية الإخوانية والمنشق عن التنظيم، والذي تبنى الدفاع عن المناهج الجديدة، ومشكلته أنه يقدّم أكثر من رواية عن الحدث الواحد، وفردي بالعمل، وتؤكد مصادر أن ما أقرته لجان التأليف، مختلف عما أقره مجلس التربية والتعليم وهو أعلى مجلس في وزارة التربية والتعليم وله الحق في ما يقر، وفيه عضو عن نقابة المعلمين.
لكن بنية حكومة الملقي والتي استقال منها وزير النقل بعد يوم على تعيينه، لا تنتهي أزماتها عند هذا الحدّ، فتوقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل، أعاد التوتر، وجدد الرفض للتطبيع، ليس لمجرد الصفقة، بل لأن رئيس الحكومة ونائبه للشؤون الاقتصادية جواد العناني من عرابي وادي عربه وأعضاء وفد مدريد كما يراهما الأردنيون، وفي الأردن ارتياب دائم وخبرة بالفشل مع أعضاء وفد مدريد.
ومع أن شعور الناس بأن الدولة تخرج من ملف صعب إلى ملف أكثر صعوبة، إلا أن التغييرات في المؤسسة العسكرية التي ذهب بها رئيس هيئة الأركان مشعل الزبن وجاء مكانه فيها اللواء محمود فريحات، تعلن عن تغييرات أخرى ربما تكون قائمة على مستوى رئيس الديوان الملكي، وغيره من المواقع الحساسة، ولكن ما يؤجل بعضها هو البحث عن بدائل، وهو أمر لا أحد يستطيع أن يحسمه إلا الملك.
في ظلال هذا السجال والنهار الكثيف بالأحداث المحلية، تزداد تحديات اللجوء السوري على المجتمع الأردني، وترتفع مخاطر التوتر الاجتماعي نتيجة زيادة البطالة والفقر وتراجع الخدمات، وهو أمر كلفت به حكومة هاني الملقي الثانية التي ستواجه مجلس نواب قد لا يطول عمرها معه، وتسقط داخله مبكراً، فتستعاد الثقة بالبرلمان، مما قد يشكل مخرج طوارئ للبلد من حالة الإحباط العام بانعدام التغيير، وبطء الإصلاح الذي لا يبدو أنه بات يشكل أولوية شعبية، فالأردنيون يرون أن الحفاظ على البلد أهم من أي حُزم إصلاحية، وهو يبدو ممكناً في ظل حفاظ الملك على دوره المهم في خلق التوازن وتلبية حاجات الناس والتواصل معهم في شكل دوري.
لكن التغيير إن حدث أو لم يحدث، وحتى لو بقيت الحكومة أعواماً، فإن الثابت هو الانسداد الحاصل بفعل ظروف المنطقة، وأعباء المشهد السوري التي ستتعاظم نتائجها الخطيرة كلما تقدّم الزمن على مستوى الدولة والمجتمع. كما صار واضحاً أن الحكومات لا تبدع الحلول في الأردن، بل تؤجل الانفجار الاجتماعي وتُمعن في إغضاب الناس وخلق أزمات لا وقت لها، وهو ما يشكّل سبباً للحيرة الراهنة التي تسود مع حكومة هاني الملقي.
الحياة اللندنية