أبو سماقة: "ضوء أسود" قراءة ذكية لمحطات اجتماعية وطنية
11-10-2016 10:12 AM
عمون - بعد خمسة عشر عاماً على كتابته «التراب الأحمر»، يعود مدير عام المركز الثقافي الملكي محمد أبو سماقة إلى الساحة الدراميّة بعمل دارمي اجتماعي أردني حديث يحمل عنوان (ضوء أسود)، يتناول فلسفة التشظي الاجتماعي والنفسي في حكاية مشوقة، تستند إلى طبقات اجتماعية وشرائح متنوعة، ويتم الاشتغال على فكرة تحولات النفس البشرية وارتباطها بالمتغيرات الجديدة.
وهي تحولات، بحسب أبو سماقة، جاءت عفوية وفق نسق حكائي غير جاف أو مقحم، وتمّ استثمار هذه التحولات لقراءة واقع اجتماعي يتنافذ على واقع وطني وسياسي، ويسوق خلال ذلك مستجدات مهمّة، منها ضياع الهدف والتعلق بكل ما يمكن أن يكون خيطاً نحو حياة جديدة، وتظهر في ذلك بوادر الرغبة في الانتقام والتطرف والتضحية بالمبادئ وضياع الخيط الرومانسي وسط كلّ هذه اللهفة لتحقيق الرغبات التي لم تعد بسيطةً في بنيتها، بل تعقّدت بتعقيد الخيط الحكائي والتقاء المصالح بين الشخصيات.
قاع المدينة
وتبدو القرية برمزيتها الخضراء والعائلة العمَّانيّة والأسواق والفنادق والمحافظات الأردنية مكاناً خصباً تسوّق من خلاله السياحة الأردنيّة، ونقرأ بها المقاهي والأسواق الشعبية والوظيفة الحكومية والقطاع الخاص، مثلما نقف على أحلام الشباب ورغبتهم في تحقيق الذات، وتجاوزهم الحياة الطبيعية التي عاشها الأهل نحو عوالم جديدة لا تنغلق بحال، وتنعكس في النهاية على بساطتهم التي تصبح جرياً من غير طائل في هذه الحياة.
مواكبة الأحداث
لم ينس العمل، كما يقول الكاتب، أن يواكب ما تمرّ به المنطقة العربية والعالم من شيوع الأفكار الشيطانية في القتل والتدمير والاتجار بالسموم والبشر والأفكار الدينية، وهي أفكار ربما تجذب عدداً من الشباب الذين يجدونها فرصةً للتعويض النفسي، وهنا يبرز سؤال الوطن وأهميّته من خلال صراعات النفس والمفاصل المهمّة.
ويبرز العنوان (ضوء أسود) صادماً، حيث نلمس من خلال سير الأحداث الولادة بالمفاجآت اضطراب الرؤى النفسية وتأرجح المواقف، والاستناد إلى ذلك الضوء الذي يبدو في حقيقته أسود بالرغم من كلّ بريقه الذي يسحر الشخوص ويسير بهم إلى مناطق ليست بالحسبان.
ويرى أبو سماقة أنّه لا بدّ من جرعات دراميّة مواكبة تقرأ الظرف الاجتماعي والوطني والإنساني وتسوق برشاقة الأحداث الجديدة التي تهمّ الوطن والناس وتدعوهم إلى شيء من الخلوة مع النفس لتأكيد القرار الحكيم وسط كلّ هذه الاضطرابات والتعقيدات.
أبو سماقة الذي كتب للقرية والارتباط بالأرض والعودة إلى البراءة والفطرة الأصيلة، يفتح في (ضوء أسود) أبواب العمل على قضايا خطيرة من أهمّها الإرهاب والتطرّف وسحر الأفكار الدخيلة التي هي في الأساس تحمل سواد الشرّ والخراب.
ويرى الكاتب أنّه لا بأس من أن تحمل الأعمال الدراميّة المحليّة هذه القضايا في سياق موضوعي طبيعي، باعتبارها أعمالاً تقف أولاً على أرض صلبة في تعريفها بإنساننا الأردني وقضاياه في العمل وتحقيق الطموح، وبوصفها كذلك أعمالاً لا تنكر ما تجيء به رياح المنطقة وفضاؤها، ولا تستحي من طرحها أو معالجتها بشيء من الشراكة مع المتلقي الذي قد يكون مثقفاً أو نخبوياً أو إنساناً يفهم الرسالة من خلال متابعته للحكاية.
فنون حضارية
يعتمد الكاتب المسرح في هذا العمل ليكون مرآةً لعذابات وصراعات الشخوص ونافذة لاطلاع المتلقي على المستجدات ونفسيات الشباب القلقة، من خلال جعل مفردة المسرح طبيعيّةً وكذلك القطعة الموسيقية واللوحة التشكيلية والفنون الحضاريّة، لتكبر النواة وتتسع الدوائر وتسوق نوعاً من المواكبة والقراءة الفلسفية لكثير من الأمور بما لا يمنع السير الطبيعي لحكاية العمل أو يقلق على المتلقي متابعته لهيكل العمل القصصي، لتكون نفسية بطلة العمل مسرحاً لتساؤلاتناحول الشحنات النفسية الصعبة التي تودي بقيم الحب النبيلة التي لم تعد قيماً سامية، فنكون قبالة القفز نحو مستقبل لم نؤسس له أو نقرأه بموضوعيّة. هذه وتلك أسئلة مشرعة على النفس البشرية والمؤسسة الاجتماعية والثقافية، كما يقول أبو سماقة، لمعاينة إرهاصات متعددة للضوء الأسود الذي يغتال المساحات البيضاء داخل النفس، وما الأحلام الصغيرة إلا جزء من تلك المساحات.
ويختم أبو سماقة بحديثه عن أنّ «ضوء أسود» لا يتناول فقط جملة القضايا المحلية والاجتماعية وأنّما هو يقدّم لها الحلول بطريقة درامية ليبقى الفن رافعة مهمّة للمجتمعات، ونظراً لما يتمتع به مجتمعنا من وعي والتقاط الرسائل الدرامية في مثل هكذا أعمال. (ابراهيم السواعير / الرأي)