الإحتجاجات أصبحت مثل « عنزة ولو طارت « كما في المثل الشعبي , حتى أن أبسط قرار صار كفيلا يتجمع عشرة أو عشرين شخصا للإحتجاج , فهل سدت قنوات الحوار كي يحدث هذا بسرعة وخفة .
الإحتجاجات التي اندلعت في البلاد مرة جديدة تحت عناوين مناهج التعليم وإتفاقية الغاز , فتحت الباب على احتجاجات أخرى فبات الأمر سهلا فهؤلاء يتذمرون من فترة دوام المدارس وأولئك لا تعجبهم قرارات إدارة مؤسسة يعملون بها وهكذا .
الوقفات الإحتجاجية لم تستثن أيا من القطاعات لكنها باتت في قطاع التعليم الأوسع , وإن كان ذلك يدل على شيء فإنما يدل على حتمية المضي قدما في إصلاح التعليم , والإصرار على الخطة الموضوعة وعدم التلويح بالتراجع , تحت ضغط إحتجاجات شرائح إتخذت من تعديل المناهج سببا لتقويض العملية, وتصغير الطموح فيها الى جزئية لا تشكل حيزا من حجم الإصلاحات المطلوبة في قطاع التعليم بدءا برياض الأطفال وبيئة التعليم وكفاءة المعلم وأدوات التعليم ذاتها وإنتهاء بالأبنية المدرسية التي فشل معظمها في أن تكون ملائمة كمراكز إقتراع وفرز وفقا للمواصفات الدولية المتعارف عليها .
في فترة ما حتى القطاعات الإقتصادية لم تسلم مقاولو مستثمري الاسكان, سائقي التاكسي والحافلات سلكوا ذات الأسلوب فهل معنى ذلك أن لغة الحوار منقطعة ؟.
لم تستطع أي من القطاعات التي توقفت للإحتجاج إيصال صوتها أو أنها لم تقنع الطرف الآخر به في غرف الإجتماعات المغلقة , فدفعت به الى العلن عبر الإحتجاج , والهدف هو ضمان وصوله الى طرف ثالث على أمل الاستجابة والتدخل بالتوصل الى حلول .
اللجوء الى الوقفات الاحتجاجية أو الاعتصامات يأتي لقناعة راسخة بأن حل المشاكل وجد طريقا مسدودا , فالثقة بالمسؤول الذي تحول الى خصم قد أصبحت معدومة .
بالنسبة لعامة المواطنين , مثل هذا الأسلوب يأتي في سياق طبيعي منسجم مع الإعتقاد بأبوية الدولة ونمطها « الرعوي « لكنه ليس طبيعيا عندما تقوم به شخصيات سياسية وإقتصادية ورجال أعمال ومستثمرون وشركات .
لجوء أكثر الشرائح إيمانا بالمؤسسية وبدور الوزارات والمؤسسات الى الإحتجاج العلني في الميادين أو مقرات الجمعيات والنقابات, لا يعني أن قضاياهم ليست عادلة فهم أكثر الناس دراية بالقوانين وتقديرا لعدالة قضاياهم, إنما يعني فقدان الثقة في هذه المؤسسات, ويعني كذلك عدم قدرة هذه الشرائح الهامة إيصال صوتها الى المسؤولين الذين لا يبدون تفهما في بعض الأحيان وفي معظم الاحيان يترددون في الإنتصار لمثل هذه القضايا خشية الإتهام بالمحاباة أو بالإنحياز لكن الأخطر هو الشعور بأن الطرق مسدودة, أو أن المسؤول تحول الى خصم .
الراي