نريد أن نسمع صوت « رجالات الدولة» .. !
حسين الرواشدة
10-10-2016 12:31 AM
فيما انشغل المجتمع الاردني طيلة الاسابيع المنصرفة بقضية المناهج والغاز، غاب رجالات الدولة عن النقاش العام، واختاروا ان يجلسوا على مقاعد المتفرجين، ليست هذه المرة الاولى التي ينحاز فيها هؤلاء “ الكبار “ للصمت، فقد سبق ان عزفوا عن المشاركة حين داهمتنا عواصف الربيع العربي، وقتها بلغت القلوب الحناجر، لكن قلوب الذين تربعوا على مقاعد القرار والنفوذ ظلت صامدة لم تتحرك .
يمكن ان نفهم هذا الغياب في اطار” ايثار” السلامة وعدم الرغبة في الدخول على خطوط التماس مع الحكومة، وربما مع الدولة، ويمكن ان نفسره في اطار الحفاظ على خط العودة للمواقع التي تقلدوها، او بسبب انسداد “ القنوات “ بينهم وبين مطابخ القرار، او ربما بسبب التغييب المتعمد، لكن مهما كانت الاسباب والمبررات، شخصية ام سياسية، فان هذا الغياب المتعمد والمتكرر، يضع علامة استفهام كبيرة على الدور والواجب الذي يفترض ان يقوم به هؤلاء الذين يمثلون “ عصب “ الدولة وخزانها السياسي في مواجهة القضايا والنوازل التي يتعرض لها بلدنا، صحيح انه قد يكون ليس مطلوبا منهم الدفاع عن المقررات الحكومية، او الانحياز لهذا الطرف او لغيره، لكن الصحيح ان الدولة بحاجة اليهم، اقلها لتنوير الراي العام بالحقائق، وارشاد صانعي القرار الى الصواب.
للمقاربة هنا يمكن التذكير بما حدث في تركيا حين حاول بعض العسكر الانقلاب على حكومة اردوغان، وقتها تجاوز اعضاء “ نادي النخبة “ التركي، بما فيهم رجالات دولة وسياسيون واعلاميون خلافتهم مع اردوغان وحكومته وانحازوا الى تركيا، لم يتأخر احد منهم ابدا، حصل ذلك لانهم استشعروا واجبهم الوطني والاخلاقي، ولم يترددوا عن اشهار مواقفهم رغم ان مبررات صمتهم ستكون مقبولة، كما ان انسحابهم من المشهد الذي لم تستمر فيه الاحداث الا ساعات قليلة كان متاحا وبدون ان يتعرضوا لاي انتقاد .
استدعاء ظاهرة غياب اعضاء “ نادي كبار رجالات الدولة” ، ناهيك عن النخب والشخصيات المعتبرة، ياتي في سياق تحولات كبرى واستحقاقات خطيرة يواجهنا بلدنا، ليس فقط فيما يتعلق بما حدث من اشتباكات على صعيد قضايا المناهج وصفقة الغاز، وانما على صعيد الاسئلة التي ما تزال اجاباتها معلقة وابرزها : اين نضع اقدامنا وفي اي اتجاه نسير ؟
من هوالمعني بالاجابة على هذه الاسئلة، الحكومة وحدها ام الدولة بكافة مكوناتها ومرجعياتها الفكرية والسياسية ؟ اذا افترضنا ان رجالات الدولة، سواء حسبوا انفسهم رجال ادارة متقاعدين ام سياسيين، هم “ بيت “ الخبرة السياسي، وبالتالي فان استقالتهم من المشاركة العامة تبعث برسائل مفخخة بدلالات والاشارات، بعضها يتعلق بحساباتهم الخاصة وبعضها الاخر يتعلق بعلاقتهم مع الدولة، لكن مهما يكن فان مسؤوليتهم في الاجابة على هذه الاسئلة، ليست مجالا للنقاش، كما انها لا يجوز ان تكون مدعاة لتقديم اي اعتذار.
كنت اشرت فيما مضى الى منطق “ وانا مالي ؟” الذي انتقلت عدواة من الشارع الى النخب، ثم تحولت الى ثقافة عامة في المجتمع، هذه العدوى لا تعبر فقط عن موت السياسة، وانما عن شلل اصحاب جسد المجتمع نتيجة غياب الرأس الذي تمثله هذه النخب، وفي تقديري ان وراء هذه الظاهرة ما شهده بلدنا من بروز طبقة من المسؤولين المحسوبين على خط الادارة لا السياسة، فهم مجرد مسؤولين كبار تنتهي مسؤولياتهم بانتهاء فترة وجودهم على مقاعدهم .
حين تفقد الدولة رجالاتها، او تبحث عنهم ( هل تبحث عنهم حقا ؟!) ولا تجدهم، فان ثمة خطأ ما قد حصل، ارجو ان لا يسألني القارئ الكريم عن هذا الخطأ، ومن يتحمل مسؤوليته ؟ فقد انتهى هنا الكلام المباح ..!!
الدستور