في الزمن الصعب كزماننا اليوم , كل يبحث عن حليف , فهو زمان مرعب مليء بالمفاجآت والتقلبات , ولا مجال أمام الدول إلا أن تتحوط لهذا الأمر جيدا , وإذا ما كان " بوتين " شخصيا يتفاخر اليوم بأن روسيا لا تتخلى عن أصدقائها , فإن
الولايات المتحدة الأميركية في المقابل ,لم تعد حليفا إستراتيجيا
لأحد في هذا العالم سوى إسرائيل كحليف دائم , وإيران كحليف تكتيكي مستجد , وحتى أوروبا التي كانت وبرغم نفوذها الإقتصادي الخارق , أداة طيعة في يد واشنطن , باتت اليوم الأقرب للإبتعاد , خاصة وهي تعيش نذر إنفراط عقدها كمنظومة موحدة , والشواهد بين أيدينا .
لقد تخلت واشنطن عن النظام المصري السابق فور تجمع نصف مليون شاب مصري في ساحة التحرير هاتفين برحيل مبارك , ورفعت غطاءها عن تونس في أقل من اربع وعشرين ساعة , وكانت فعلت الشيء ذاته مع إيران في عهد الشاه , ودول أخرى عديدة عبر تاريخها السياسي , وفي أحلك الظروف ! .
لقد تغيرت طبيعة التحالفات الدولية والإقليمية تماما خلال العقدين الأخيرين , وهذا ووفقا لمجريات التاريخ , أمر طبيعي جدا , والشرق الأوسط اليوم , هو البوصلة الابرز في تحديد شكل وجوهر العالم الجديد كمولود لما يسمى " الفوضى الخلاقه " , وهي فوضى مؤلمة لنا ولسائرالدول النامية وشعوبها , ومطلوبة ومريحة ولو بعد حين , لسائر قوى النفوذ المهيمنة على هذا العالم .
أردنيا , لم نكن يوما بأمس الحاجة كما نحن اليوم لتفاعل حلفاء معنا , فنحن نعاني الأمرين إقتصاديا , ونحن سياسيا كما لو كنا بإنتظار المجهول , عطفا على التحولات العميقة والمرعبة التي تحيط بنا , وتلك التي تشهدها منطقتنا هذا الأوان , فجوارنا شمالا وشرقا , لن يعود جوارنا الذي كان ! , وجوارنا غربا يقول لنا وبالفم الملآن وفي كل لحظة , أن الآتي أسوأ وأصعب , وفقا للمخطط الإسرائيلي المرعب , والقائم على نوايا عملية تجهد وبتسارع , لإبتلاع سائر فلسطين .
تاريخيا , كانت بريطانيا صاحبة وعد بلفور المشؤوم , والدولة المنتدبة علينا , هي حليفنا قبل بروز نجم أميركا كقوة أعظم , وهي الاقرب إلى سبر أغوار مجمل حياة وثقافة ووجدان الإنسان في منطقتنا بحكم ما سبق , وهي أحد شريكين لا ثالث لهما في إيجاد الترتيب الراهن لوجودنا كدول , في هذه المنطقة الحيوية جدا من هذا العالم , وليس سرا انها كانت ترى نفسها المسؤولة عن حماية دولتنا في محطات صعبة عديدة مضت .
وتاريخيا أيضا , كانت السعودية وما زالت , عمقنا الإستراتيجي في البوابة الجنوبية التي ما عاد لنا اليوم بوابة آمنة غيرها , وليس سرا كذلك , أن السعودية أدت دورها في النهوض بدعمنا المنقطع النظير إقتصاديا وسياسيا , وعلى كل صعيد , عبر التاريخ قريبه وبعيده معا .
عمليا , لا يملك أي منصف محب للاردن , حريص على صموده في وجه العواصف الهوجاء التي تجتاح منطقتنا وإقليمنا اليوم , إلا أن يتوقف طويلا أمام هذه الحقائق التي تحثنا وبإلحاح , على بناء تحالف إستراتيجي سياسي عسكري إقتصادي , مع السعودية وبريطانيا تحديدا , والحفاظ في اللحظة ذاتها , على إدامة علاقات راسخة مع الولايات المتحدة وسائر دول عالمنا العربي . بريطانيا مسؤولة أدبيا عن حماية بلدنا , والسعودية الشقيقة , هي اكبر وأول حليف لنا ليس في الإقليم وحسب , وإنما في العالم .
أميركا ينطبق عليها اليوم المثل الشعبي الاردني القائل , " لا تخليها حلالك , ولا تخليها عن بالك " . الله من وراء القصد .