ما زال المجتمع الاردني محاطا بسياج واسع من الفراغ، وتكوين الخبرات السياسية قيد الصدفة والارتجال، والبيئة السياسية العامة معطوبة. البلاد تبيت كل ليلة على شلل اعتصامات واحتجاجات ضد المناهج الدراسية واتفاقية الغاز الاسرائيلي ومسائل اخرى.
في المجتمعات الديمقراطية الاحتجاج السلمي لا يثير غضبا، ولكن الجديد في الاحتجاجات ضد المناهج الدراسية تحديدا ان قوى وتيارات سياسية تريد هندستها على مزاج مصالحها، وبحثا عن هيمنة لا مرئية على المجال العام، وسط ما يسود المجتمع من ركود سياسي وثقافي وفكري.
ويبدو أن هذه الحالة المتفشية التي تسود المجتمع، ترفض أي اصلاح وتغيير أو تجديد، وتكتفي بتمرير ما تراه متقاطعا وملائما لمشروعها بالسيطرة على المجتمع، او الاكتفاء باستيراد افكار من الخارج تتلاءم مع حاجات استهلاكية مؤقتة وعابرة.
«قوى فوقية « تريد الامساك بالمجتمع، ولتصبح مركزا لـ»هوية ثابتة»، تبقي المجتمع رهينا لـ»كود الهوية « التي تريد تثبيتها، تقاوم أي اصلاح أو تغيير أو تجديد أو ابداع، تجمع ما لديها من افكار من شتى المرجعيات : دينية واجتماعية وسياسية لتحارب خصومها بتلك الاسلحة.
«الفكرة الجديدة» بكل مستوياتها مرفوضة وغير مرغوب بها، ودرس تعديل المناهج الدراسية كشف رصيدا مذهلا من اللامعقول الخرافي الذي يستوطن العقل الجمعوي الظاهري والباطني. فكيف جعل من الضجيج والعويل والصراخ والاشاعة والاكاذيب الاسلحة الوحيدة لاثارة غرائز المجتمع وايقاظها لصد أي مشروع أو فكرة بديلة وجديدة.
كل شيء في الاردن بات محسوما مسبقا، من ابسط شأن عام الى تشكيل الحكومة واختيار فريقها الوزاري وحتى الانتخابات النيابية وما قد يقع بعدها من اعادة تشكيل لرؤوس السلطات. فلا مساحة للخروج عن النص او مفاجأة محرجة، تجدد ما هو راكد في المجال العام، ولربما فقط ما يتوارد من حكايا عن مغامرات أهل المال، والذين يبدو أنهم خارج الزمن، ويتحركون على ايقاعات فوق بشرية لا يصدها عقيدة أو قانون.
رواج هكذا نوع من الافكار المعلبة والجاهزة فانه يعطل أي نظرة الى مستقبل، ويصيب المجتمع بحالة ركود وجمود، ويستنزف فرص الامل من قلوب الناس، ويعاظم من سلطة الخوف، رغم أن الحياة بابسط قواعد عيشها هي مجرد مجاميع لافكار واثبة نحو المعرفة الجديدة والمغامرة.
ولهذا في مسألة المناهج الدراسية وغيرها، يبدو ان الاردن خارج سياق حركة التاريخ، وانه كيان يرفض أي جديد، وهي حالة عقم تقيد الدولة والمجتمع بافكار عقيمة بائدة تبقي الاردن في مصاف الدول المتخلفة واللانامية، وليبقى اصحاب المصالح يتقاسمون السيطرة على السلطة- وحتى بمستويات تدوالها المتذبذبة - والثروة.
"الدستور"