توتة توتة .. بدأت الحدوتة .. نعم بدأت ولم تنته بالطريقة التي روتها لنا الأمهات والجدات، والتي أغمضنا على نهاياتها أعيننا وغفونا كل مرة نغالب الشوق الذي انتظرنا معه قصص المساء. فقد كانت كل الحكايات تنتهي بسعادة وهناء عندما يأتي أمير الأحلام على حصانه الأبيض في الوقت المناسب لينقذ الأميرة ويحملها معه إلى قصره الأسطوري الساحر.
لم تخترق الحكايا التي تربينا عليها جدران ذلك القصر أبدا، ولم نتعرف على تفاصيل الحياة خلف تلك الجدران، وكبرنا ونحن نعيش ذلك الحلم بالسعادة الأبدية الذي استقر في أعماقنا وكبر معنا وداعب جفوننا قبل أن تغفو كل ليلة.
أي بنيتي، لست كباقي الأمهات، ولست كباقي الجدات، فمنذ أدهشتني أصابع يديك الصغيرة يوم ولدتك عاهدت نفسي بأن أمسك بتلك اليد وأن لا أتركها حتى أعبر بها إلى بر الأمان، لذلك لن أنهي حكايتي التي سأرويها لك خارج جدران القصر الأسطوري ذي الممرات العريضة والمتاهات المتداخلة، المحاط بالغابات المليئة بالورود الحمراء والياسمين، بل أشعر أن من واجبي أن أبقى معك قليلا بعد، وأن أعبر بك الغابة أولا لأريك الأشواك التي تحيط بالورود، والطحالب التي تتسلق الأشجار، والذئاب الرابضة خلف الصخور، ثم سأكون دليلتك في الممرات حتى إذا ما وصلنا المتاهة، جلسنا وتريثنا قليلا ووضعنا الخطط لاجتيازها بأقل الخسائر.
كما أرى أن من واجبي أن ألفت نظرك بأن قصرك الكبير لا يقتصر عليك وعلى فارس أحلامك، بل فيه أيضا أناس كثيرون لم تعرفيهم من قبل ولم تألفيهم، ومنهم من سيحبك وتحبينه ومنهم أيضا من لن يحبك ولن تحبينه، ومنهم الطيبون ومنهم الأشرار، وعليك أن تتعلمي التعامل معهم جميعا.
صغيرتي، لن أنسى وأنا أمسك يدك الصغيرة لأعبر بك محطات كثيرة مبعدة عنك كل أذى أن دوري لن يتعدى حدود إرشادك لأفضل الطرق، أما اختيار الطريق المناسب فسيكون مهمتك أنت وقرارك أنت لتخلقي تجربتك الخاصة ولتختبري الحياة بنفسك، وستكون يدي كطوق النجاة الذي سأمده لك دائما إذا استدعت الحاجة لذلك، فقدري بنيتي كان أن أرقبك وأنت لم يشتد عودك بعد، لأن رحلتي معك تبدأ منذ الطفولة الغضة إلى المراهقة الهشة وصولا إلى سن الرشد الذي يؤهلك للمضي قدما ويحتم علي تغيير دوري لتصبحي رفيقتي وصديقتي التي أمسك بيدها وتمسك هي بدورها بيدي.
قبل أن أترك يدك الصغيرة التي تشبثت بها سنين طويلة ، وقبل أن تصلي للمحطة التي ستمسكين بها يد زوجك، علي أن أوصيك بأن تذكري دائما أنك تمسكين بيد زوجك لتسيرا معا في هذه الحياة وليس ليقودك إلى حيث يريد هو، فحياتكما المشتركة الآن يجب أن تعبر عن إرادتكما معا، وأحلامكما معا، وطموحكما معا.
اخلعي عن كتفيك رداء الجدات الذي أثقل كاهلنا، وتذكري أن طريقك إلى قلب زوجك ليس معدته بل عقلك الراجح، ولن أوصيك بأن لا تقع عيناه منك على قبيح وأن لا يشم منك إلا أطيب عطر، بل سأقول لك دعيه يراك كما أنت دون زيف أو تجميل، ويقبلك كما أنت ولما أنت عليه، لا كما ترسمك أدوات التجميل وتسريحات الشعر، ودعيه يقدر حبات العرق التي ستتصبب منك وأنت تجدّين وتعملين داخل بيتك وخارجه.
وتذكري بنيتي دائما أن لك حقوقاً كما عليك واجبات، وأن على زوجك أيضا أن يعرف طريقه إلى قلبك، فهو لم يضمن حبك الأبدي وإخلاصك السرمدي لمجرد أنك زوجته فقط، بل عليه أن يعي أيضا أنه سيعمل لكسب ودك ورضاك، وأن هذا الود الذي تكنينه له ليس حقا من حقوقه بقدر ما هو ثمر معاملته لك.
بنيتي، لا يمكن للأحلام أن تبقى أحلاما في الواقع، وواقع اليوم يتطلب منك الكثير، فكوني قوية ومتعلمة ومحبة، كوني خلاقة، واصعدي سلم النجاح بجميع درجاته، محافظة على أنوثتك وعنفوانك وكرامتك، كوني أنت بكل تفاصيلك وخصالك، ولا تضحي بنفسك جزءا في كل مرة لتحصدي رضى الآخرين، فمن لم يتقبلك كاملة لن يحترمك منقوصة.
ولا تنسي بنيتي وأنت تمسكين يد ابنتك الصغيرة لأول مرة، تتلمسين بدهشة أصابع يديها أن تعاهدي نفسك بأن لا تتركيها خارج حدود قصرها بل أن تكملي لها الحكاية.