الأخطاء الطبية .. لا سائل ولا مسؤول
فايز الفايز
09-10-2016 01:19 AM
يعلم الجميع وخصوصا الأطباء ونقابتهم أن هناك الكثير من الحالات الكارثية التي حولت حياة بعض المرضى أو الأطفال حديثي الولادة والعائلات الى جحيم، نتيجة الأخطاء الطبية التي تقع دون قصد طبعا، ولكنها نتيجة الإهمال أو الخطأ في التشخيص أو لأسباب أخرى، ولو فتح باب الحوار العام لقرأنا عن مئات الحالات التي قلبت حياة المرضى وعائلاتهم الى مأساة أو الإنتقال الى الرفيق الأعلى، ومع هذا يبدو أن لا أحد يريد تحمل المسؤولية الأدبية ولا الحقوقية، رغم التكاليف المالية الباهظة جدا للخدمات الصحية خصوصا في القطاع الخاص.
قبل سنوات إتصل بي مواطن يريد نشر شكوى ضد طبيب معروف، ولا أعرفه شخصيا، ومفاد الشكوى أنه أجرى عملية «دسك» العمود الفقري لزوجته، وبعد العملية بساعات نهضت الزوجة لتكتشف أنها لا تشعر بالجزء السفلي ولا تتحكم بالجهاز البولي إطلاقا، ولم يزول الألم أيضا، ولأن الحرص على السمعة الطبية لبلدنا ولأطبائنا كانت دافعا للتعامل مع الحالة بشكل شخصي، قمت بالإتصال مع الطبيب وناقشته بأن سمعته هي سمعة كنز الوطن الطبي دون تشهير، وبعد الحوار إقترح أن يتحمل تكاليف العملية والمستشفى، ولكنه للأسف لم يفهم أننا نغار على السمعة الطبية بقدر ما نحرص على سلامة المرضى،وهذا ينسحب على كثير من أهل الطب والسياسة أيضا.
بعد سنوات من التعاطي والشد والجذب في مسألة الأخطاء الطبية التي تقع على يد الأطباء أو طواقم المستشفيات، حولت الحكومة السابقة مسودة قانون المساءلة الطبية الى مجلس النواب السابق قبل ستة أشهر، ولكنه لم يتم مناقشته رغم أن ديوان التشريع والرأي نظر في تعديلاته ثماني مرات بناء على التدخلات والإعتراضات من قبل قوى الضغط الطبي والنقابي، وتتمحور نقطتا الخلاف المعطّلتان على تعريف الجهة التي تحدد الخطأ الطبي بناء على طلب المحكمة، و إرتفاع قيّم المعالجة والزيادة في تكاليف العلاج، ما دفع الديوان الى وضع مقترح لإنشاء صندوق تأمين للأطباء والمشمولين بالقانون، وتدفع قيمة التعويض للمريض من ذلك الصندوق الذي يمول من رسوم سنوية.
ولكن الأهم من التعويض المالي هو حماية المريض من الإهمال وإعطائه حقه الكامل بالرعاية الطبية والإهتمام به داخل المستشفيات وعدم التسويف وإضاعة وقته بالإنتظار، فكثير من المواطنين لا ينظرون الى التعويض المادي كغاية للإنتقام من الطبيب أو الكادر، بل لأخذ حقهم المعنوي وردع الأنفس المشبعة بالطمع وتحقيق الهدف من وجود الطبيب أصلا وهو النجاح في المعالجة دون أي أخطاء بشرية، وهذا لا يتحقق لطبيب يجري في اليوم أربع أو خمس عمليات أو أكثر.
لقد شاهدنا وعشنا مع أشخاص تحولت فرحتهم بولادة أطفال جدد لهم الى تعاسة وبؤس وكراهية بسبب تأخر الطبيب في عملية التوليدأو إهمال طاقم التمريض، ما أدى لولادة طفل معاق نتيجة نقص الأكسجين أو السماح بأطالة عملية التوليد ما ينتج عنه إختناق، ومع هذا لا أحد يبكي معهم، ولا تستقبل إدارة المستشفى أي شكوى، وفي إحدى الحالات قدمت شكوى بحق المستشفى والطبيب، فامتنع طبيب أشرف على الحالة بعد الولادة عن الشهادة أمام المحكمة،وهذا يجري كثيرا بلا أدنى شعور بالمسؤولية.
إن الإرتفاع الجنوني بأسعار المعالجات الطبية لدى القطاع الخاص يمكن أن يفهم عندما تقدم خدمات عالية المستوى، ورعاية فائقة وحرص شديد على حياة المريض وتوفير الرعاية الصحية والنفسية والفندقية أيضا له ولأسرته، ولكن ما نراه في القطاع الخاص من حوادث لا نراها في القطاع العام رغم تفاوت الخدمة وتواضعها أيضا، ولم نسمع يوما عن قضية كبيرة أو وفاة حدثت في مستشفيات الخدمات الطبية الملكية العسكرية، وباعتقادي أن السبب يتعلق بالشرف المهني، فالعسكريون والقطاع الحكومي لا يعالجون بناء على المعايير المادية، وهناك أطباء في القطاع الخاص كذلك، ولكن يبدو أن الغلاء الفاحش لم يحقق الحد الأعلى من معايير السلامة العامة وتلافي الأخطاء القاتلة.
من هنا يجب وضع حد لذلك الاستهتار واللهث خلف الكسب المادي،من خلال الدفع باتجاه إخراج قانون المسائلة الطبية دون إفراغه من الأهداف المنشودة وهي حياة المريض وسلامته وتلافي الأخطاء القاتلة أو المُعجزة هي الهدف الأول والأخير، حتى تبقى سمعتنا الطبية كما هي مع الأجيال القادمة أن لا يبقى الحال بلا سائل ولا مسؤول أمام الله والقانون
الراي