للقدس سرها، وهذه المدينة، كانت دوما، تحت اعين الطامعين، وقد قيل سابقا، ان من يحكم القدس، يحكم العالم، والمقولة صحيحة، اذ حين حكمها المسلمون، كانت درة التاج الاسلامي، آنذاك، لملك ممتد الى مشارق الارض ومغاربها.
حين احتلها الاوروبيون، كانت بالنسبة لهم، تلك الدرة ايضا، في تاج الممالك الاوروبية، فلا احد يتمكن من حكمها الا اذا كان قويا، ولا احد يبقى حاكما لها، الا اذا كان يتسم بقدرات تجعله قادرا على مواجهة الطامعين بسرقتها.
الاصعب من حكم القدس، ان تبقى القدس بين يديك، فهذه مهمة ليست عادية، ولها شروطها التي تختلف عن شروط بقية المدن في هذا العالم.
القدس، في قبضة اليهود اليوم، والكل يعرف ان اليهود يحكمون العالم، عبر نفوذهم الممتد الى اغلب الدول الكبرى والمؤثرة، والدول الثرية، فمن اجل ان تحكم القدس، لايمكن ان تكون طرفا عاديا وسط المعادلات في العالم، فاذا اصبحت عاديا، سرقها منك، الاقوى فورا، ولايتركها احد، باعتبارها مجرد مدينة، من الممكن ان تعيش في الظل والظلال.
من يزورها يدرك السر ربما، المسلم والمسيحي ، واليهودي قبل ان يأتيها سارقا محتلا، كل واحد من هؤلاء يروي لك، نسبه الى المدينة، والمدينة تفيض في كل زاوية، بحكاية، فهذا الباب، او تلك القلعة، تحمل عدة اسماء متناقضة، اسم يتداوله المسلمون، وآخر معتمد عند المسيحيين، وثالث تروج له اسرائيل باعتباره الاسم اليهودي لذلك الموقع.
توصف القدس، باعتبارها مدينة السلام، لكن الواقع يثبت ان القدس مفتاح للصراعات بين الامم، وبوابة للحروب المقدسة، فمن ذا الذي يقر بحقوق امم اخرى في المدينة لكل من يدعيها، او حتى يطلب الشراكة فيها، والاستحالة تتبدى بفكرة محددة، تقول انه لايمكن ان تكون القدس مجمعا للامم والاديان، في وقت واحد، وهذا الكلام يطرحه البعض لتمرير ظهور طارئ لاحتلال، او توطئة لطرف جديد يريد ان يسرق المدينة؟!.
القدس ابنة المشرق العربي، بكل تاريخه، ابنة الهلال الخصيب، ابنة الاسلام والمسيحية، والمسلم فيها يرى جاره المسيحي، شريكا اجتماعيا طبيعيا، ويحترم خصوصيته الدينية بكل ماتعنيه الكلمة ولدينا ملايين الادلة على ذلك، والمسيحي ايضا في القدس، صاحب مكان، وليس جزءا من طائفة، ولا من اقلية، ولا يعتبر نفسه جزءا من شعب بعضه بحاجة الى مسحة حنان من اليد الاقوى، فلا اقوى ولا اضعف، فالقدس بيدين اثنتين، طوال عمرها، هذه هي القدس عند اهلها، وعند من يفهمها.
مناسبة هذه الاستفاضات، الكلام، الذي تسمعه من بعض العرب الذين يقولون لك، ان المسلمين يتطرفون في ادعاء ملكيتهم للمدينة، وان الوجود الاسلامي اصلا طارئ على المدينة وعمره الف واربعئمة عام، وجاء على انقاض وجود مسيحي، ومن الطبيعي ان يعود الاوروبيون ليحكموها لاحقا، ومن الطبيعي ان يأتي اليهود ليحكموا قبضتهم عليها، خصوصا، اننا نأبى الشراكة مع اليهود، في مدينتهم، ولانريد حتى منحهم فرصة للصلاة فيها!!.
كلام صرنا نسمعه، ومعه، كلام آخر يقول : ما الذي يؤثر على الاسلام، اذا تم هدم الاقصى كليا، فالاقصى هو الموقع، وليس البنيان، الذي بناه الامويون، في المسجد القبلي، ومسجد قبة الصخرة، والمكان سيبقى موجودا، حتى لو اختفى المسجدان!!.
صهاينة العرب، يريدون قلب كل المعادلات، ويتناسون الحقيقة الاخطر، ان اسرائيل احتلت فلسطين، وشردت اهلها، وتريد تهويدها، ومسح هويتها كليا، ولايمكن مع هكذا سلوك مفهوم الدوافع، لاتكاءات العقد التاريخية، ان يتم تمرير الاحتلال، تحت عنوان تقاسم الامم والاديان للقدس، باعتبار ذلك الحل الوحيد المنطقي، فهذه المدينة، لاتقبل التقاسم، ولاتقبل الا ان تكون درة في تاج حقبة او امة، هكذا هي كيمياء المدينة، وسر خلقها، فحتى اسرائيل ذاتها، لاتقبل عبقرية الصهاينة العرب، وتأبى التقاسم، لانها تعرف ان التقاسم، يعني سقوط اليهود في العالم.
معنى الكلام، ان من يتنازل عن اي حق في القدس، تحت اي عنوان، يسهم فقط، في تقوية الاحتلال، او حقبة عابرة، ويخالف سنة الحياة، في كون هذه المدينة ابنة بلاد الشام، ابنة هذه المنطقة، التي لايجوز ان تصير ارباعا وانصافا، ويتم تقاسمها.
القدس لنا.هذه هي الخلاصة. وهي تدفع ثمن ضعف امة بأكملها، ولن تعود الا بصحوة امة بأكملها، وحين تعود محررة، نقية، نكون لحظتها في صورة اخرى، غير صورتنا الحالية، القدس لاكثر من مليار عربي ومسلم، هم ملاكها، فلماذا يتقاسمونها؟!.
اذا كان اليهود يدعون انهم كانوا هناك في «اروشليم» قبل اكثر من ثلاثة الاف سنة، ومن حقهم ان يعودوا اليها، فنرد عليهم بذات منطقهم، نحن ايضا هناك من الاف السنين، وقد تركناها مرغمين قبل ستين عاما، ومن حقنا ان نعود اليها، وسنعود.
الدستور