فقدان الثقة بين الشعب من جهة وبين مؤسسات الدولة من جهة أخرى يعد من أعظم المعضلات التي تواجه مسيرة البناء والتنمية في كل المجتمعات البشرية، والتي تهدد استقرار المجتمعات وتؤذن بزوالها وفنائها المحتم، فليس هناك أولوية تسبق أولوية إعادة بناء الثقة لدينا في هذه المرحلة، وينبغي أن تكون الشغل الشاغل لأصحاب القرار، ولكل الأطراف السياسية الفاعلة على المستوى الرسمي والشعبي ، ولكل القوى والأحزاب السياسية.
فقدان مجلس النواب هيبته عبر المراحل السابقة تحتاج إلى معالجة جادة وفورية وعبر منهجية علمية مدروسة بعناية، وربما شكلت الانتخابات لهذه الدورة خطوة معقولة ومقبولة يمكن البناء عليها، حيث شعر الناس بشيء من الراحة من خلال عدم وجود أدلة واضحة على التدخل السافر، كما كان يحدث في مرات سابقة، وهذه الخطوة تحتاج إلى خطوات مستقبلية جادة من أجل الاستمرار في إعادة ثقة الشعب بمجلسه، ومن خلال العمل على إعادة بناء هيبة المجلس الضرورية ، عبر برنامج واضح يستهدف رفع مستوى أداء النواب، وتنظيم تكتلات المجلس وتنظيم عملها، ومنع العبث الذي يجري من أجل شراء الضمائر في التحشيد لرئاسة المجلس، ومنع أسلوب الرشاوي والاسترضاء الذي كان يجري من أجل تمرير القوانين والتشريعات التي تخالف المنطق العام وتخالف الروح الوطنية.
من مسارات إعادة الهيبة أيضاً ذلك المسار المتعلق بالشق الثاني من السلطة التشريعية وهو مجلس الأعيان حيث ينبغي التفكير في تطوير آليات الاختيار، لتكون أكثر شفافية وأكثر اقناعاً لجمهور الشعب الأردني، وأن يتم إعادة النظر في المعايير الدستورية التي يتم الاستناد إليها في اختيار العين، من أجل السعي لإيجاد سلطة تشريعية مكتملة تحظى بالثقة العارمة، وتحوز رضى الأغلبية.
أمّا المسار الأكثر أهمية على صعيد بناء الثقة يتجلى في اختيار الحكومة رئيساً وأعضاءً، لأن الحكومة التي تتحمل مسؤولية إدارة شؤون الدولة الأردنية وشؤون الشعب الأردني في كل المجالات ينبغي أن تكون وليدة إفراز برلماني واختيار شعبي حر، وإذا كانت الظروف غير مهيأة لذلك لعدم وجود أحزاب سياسية ناضجة، فلا مناص من السير بشكل تدريجي لإيجاد هذه الظروف وتهيئة البيئة المناسبة لذلك، عبر برنامج زمني واضح المراحل والخطوات، بحيث يتم إنجاز خطوة متقدمة ملموسة ومحسوسة على هذا المسار في كل أربعة أعوام، لأننا بدون التقدم الجريء نحو هذا الهدف، فإن الزمن يمضي مسرعاً دون تحقيق أي إنجاز واضح وصريح في هذا المجال.
ليس هناك أخطر علينا من ترسيخ الإحباط واليأس لدى الأجيال ولدى الشباب الذين يشعرون أنهم مغيبون عن المشاركة في صناعة مستقبلهم وتقرير مصيرهم، مما يجعلهم عرضة للانعزال والتطرف والشعور بالخيبة والعزوف عن المشاركة السياسية؛ الذي يمثل بيئة مناسبة لترعرع بذور العنف والإرهاب، بالإضافة إلى جعلهم فريسة سهلة لعصابات الفكر المنحرف الذين يجدون ضالتهم في المجتمع الذي تسوده البطالة وتسوده مشاعر الحرمان والبؤس واليأس القاتل، نحن بحاجة ماسة إلى دفقة أمل ونشر روح التفاؤل التي يمكن تحقيقها عبر المسارات الثلاثة السابقة بكل جدية وعزم مؤكد.
الدستور