يَعْـرِفُونَ وَيَـحْـرِفُون
راتب المرعي الدبوش
06-10-2016 12:13 PM
مِنْ النّاسِ مَنْ يُلازِمُهُ شُعُورٌ دَائِمٌ بِالاضطّهادِ، وَبِأنّ الْآخَرينَ يَتآمَرونَ عَلَيْهِ، وَيـُنـَاصِبُونـَهُ الْعَدَاء، وبِأنّ عَدَمَ نَجَاحِهِ وتَـقَدُّمِهِ راجِعٌ إلى تآمُرِ الآخَرينَ عَلَيْه، ومُعَادَاتِهِمْ لَهُ، وَحَسَدِهِمْ إيـّـاه.
إنّ هَذِهِ الْمَشَاعِرَ ، ومَا يَـتَرَتّبُ عَلَيْهَا مِنْ رُدُودِ أفْعَالٍ وَتَصَرُّفَاتٍ ، هِيَ مِمّا يُـبـَاعِدُ بيْنَ الْإنْسَانِ وبَيْنَ النّجَاحِ والتّقَدُّمِ ، وتَحْقيقِ الذّاتِ ، بَلْ والتّصَالُحِ مَعَ نَفْسِهِ ومَعَ الْحَيَاة .
مَا يَنْطَبِقُ عَلَى الْأفْرَادِ في هَذَا الْمَجَالِ، يَنْطَبِقُ عَلَى الْجَمَاعَاتِ، وَعَلَى الْأُمَمِ، والـدُّوَلِ، وَالشُّعُـوب.
فِي الْأمّةِ الْعَرَبِيّةِ الْإسْلامِيّةِ هُنَاكَ أعْدَادٌ كَبيرةٌ مِنْ النّاسِ يَعْتَقِدُونَ أنّ الْعَامِلَ الْأسَاسِيَّ فِي تَخَـلُّـفِ الْعَرَبِ وَالْمُسْلمينَ لَا يَعُودُ إلى تَقْصِيرهِمْ الذّاتِيِّ ، وَلَا إلَى أخْطَائِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ ، في مَاضيْهِمْ وَحَاضِرِهِمْ، وَلَا إلى عَدَمِ أخْذِهِمْ بِأسْبَابِ الْقُوّةِ وَالنُّهُوضِ فِي شَتّى الْمَيَادينِ ، إنّمَا يَعُودُ إلى مُؤامَرَاتِ الْأعْدَاءِ ، وَحَسَدِهِمْ ، وَرَغْبَتِهِمْ في السّيْطَرَةِ عَلَى خَيْرَاتِـنَا ، وَمنْعِ تَقَدُّمِنَا.
فَإذَا سَأَلْتَهُمْ عَنْ هَؤلاءِ الْأعْدَاءِ ،وَمَنْ هُمْ ، سَرَدُوا عَلَيْكَ قَائِمَةً مِنْ دُوَلِ الْغَرْبِ وَالشّرْق ، وَقدْ يُلَخِّصُونـَها فِي النِّهَايَةِ في دَوْلَةٍ وَاحِدَة.
مِنْ هَذَا الْوَهْمِ التّـبـْريرِيِّ ، وَمِنْ هَذَهِ الْانْحِرَافَاتِ فِي النّظَرِ إلى الْأمُورِ، وَمَا تُؤدّيْ إليْهِ مِنْ الْأخْطَاءِ فِي تَشْخِيصِ الْأدْوَاءِ وَالْعِلَلِ ، نَجِدُ الْكَثيرينَ مِمّنْ يُؤْمِنُونَ بِأنْ لا نُهُوضَ لِأُمّتِـنَا ، وَلَا تَقَدُّمَ، وَلَا نَجَاحَ إلّا بِتَدْمِيرِ أولئكَ الْأعْدَاءِ الْمُفْتَرَضِينَ ، أوْ الْحَقيقيّينَ ، أوْ زَوَالِهِمْ وَفَـنَائِهِمْ.
هَؤلاءِ هُمْ مُقَاتِلُو طَوَاحِينِ الْهَوَاءِ ، بِطَريقَةٍ دُونْكيشُوتِـيّة، فَبَدَلَ أنْ يَفْهَمُوا وَاقِعَهُمْ ، وَيُشَخِّصُوا عِلَلَهُ وَأمْرَاضَهُ ، وَبدَلَ أنْ يَـتَوَصّلُوا إلى إدْرَاكِ طُرُقِ النُّهُوضِ، وَيَـسْلُكُوا مَسَالِكَهَا – نـَرَاهُمْ يُحَارِبونَ الْعَالَمَ كُلّهُ ، وَيَـرْفَعُونَ أصْوَاتَهُمْ بِدَعَوَاتِ الْحِقْدِ وَالْكَرَاهِيَة .
إنّهُمْ يُشْبِهُونَ الْمُزَارِعَ الّذي يَحْرِقُ حُقُولَ الْآخَرينَ؛ لأنّ حَقْلَهُ لَا يُنْتِجُ، وَلَا يُعْطِي. وَيـُشْبِهُونَ الْمَريضَ الّذي يَحْقِدُ عَلَى كُلِّ الْأِصَّحاءِ؛ مُعْتَقِدَاً أنّهُمْ هُمْ سَبَبُ مَرَضِهِ، فَيـَتـَوَهّمُ أنـّهُ لَنْ يَشْفَى مِنْ دَائـِهِ، إلّا إذَا أمْرَضَهُمْ وَأمَاتَـهُمْ جَميعَاً.
إنّ هَؤلاءِ النّاسَ، وَبــِمَا يَنـْطَوُونَ عَلَيْهِ مِنْ أوْهَامٍ، وانْحَرَافٍ عَنْ طَريقِ السُّلُوكِ الْإيْجَابيِّ الْبَنـّـاءِ الْمُنْـتِجِ وَالْمُسْتَـنير، هُمْ مَنْ سَاهَمُوا، وَبِفَاعِـلِـيةٍ كَبيرة، في تَشْويِهِ صُورَةِ الْأمّةِ، في الدّاخِلِ وَالْخَارِج، وَفي انْحِدَارِهَا، وَتَـرَدّي أوْضَاعِها، فَكَانَ خَطَرُهُمْ عَلَيْها أشَدَّ مِنْ خَطَرِ أعْدَائِها عَليْها ، وَلَوْ كَـثُـرُوا .
إنـّها نَظَرِيّةُ الْمُؤامَرَةِ الّتي خَدّرَتْ مَجَاميعَ وَاسِعَةً مِنْ النّاسِ فِي أمّةِ الْعَرَبِ وَالْمُسْلِمينَ، فَصَرَفَتْهُمْ عَنْ فَهْمِ نَوامِيسِ الْكَوْنِ وَالْحَيَاة ، وَأوّلُـها مَا نَصّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْكَريمَةُ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُـغَـيـّـِرُ مَا بِقَـوْمٍ حَتَّى يُغَـيِّـرُوا مَا بِأَنـْفُسِهِمْ).