الأبجديَّة الَّتي تعلّمتها من المعلم
ظلَّت معي طوال حياتي ……
ألفُها لبناء الوطن ،
وياؤها لبناء الوطن ،
وما بينهما للبناء ،
بكلِّ ما تحمله كلمةُ البناء من معـنى .
فإلى معلمي الأوَّل الَّذي أثارَ الدَّهشة
في قلبي ،
واستطاعَ أن يحوِّل الدَّهشةَ
ببصيرته النَّافذة إلى إعجاب ،
والإعجاب إلى قيمةٍ من قيمِ الحياة .
إليه أهدي:
صدى الدَّهشةِ الأولى
الـمُعلمُ
" ألفٌ أبني … باءٌ بلدي "
كانتْ تُغرِّد في فمي ،
عصفورةً
وعلى ندى ألحانِها يستيقظُ الطِّفلُ ،
الَّذي قد كنتُهُ .
فأرى المعلِّمَ إذ أرى ،
وأرى ذُرى جَبلي العتيدْ .
جبلاً من الإيمانِ ،
والصَّمتِ المُكابرِ كانْ .
جبلاً من الإخلاصِ ،
في عينيهِ يأْتلقُ الزَّمانْ .
كفَّاهُ سَعْفَا نخلةٍ ،
وعلى ضفافِ الصَّوتِ ينمو ،
الزَّعترُ البرِّيْ ،
والقمحُ يعتادُ المكانْ .
قدْ كانَ يأتي في صباحاتِ الطُّفولةِ ،
حاملاً وَهَجَ النَّشيدْ
وشمُوخَ أرضٍ لمْ تزلْ في طهرِها ،
أنقى من الماءِ الزُّلالْ
وعلى بَراءةِ عمرِنا ،
يلقي مفاتيحَ السُّؤالْ
قـمْ يـا بنيّْ
يقولُ في همسٍ يُجلجلُ في الفضاءْ
قـمْ يـا بنيَّ
فأقومُ تركضُ في الدِّماءِ
غزالةُ الفرحِ الطُّفولي المعتَّقِ ،
بارتعاشاتِ الِّلسانْ
وأقومُ تسبحُ في بحورِ الزَّهوِ أشواقي ،
وتتبعني التِّلالْ
وأقومُ أصعدُ في فضاءاتِ النَّشيدْ
وأذوبُ في جمرِ النَّشيدْ
وأصيحُ مبتهجاً،
كأنَّ الأرضَ من خلفي تعيدْ
" ألفٌ أبني … باءٌ بلدي
بيدي بيدي … أبني بلدي "
---------------------------
جرسُ الطُّفولةِ دقَّ دقَّته الأخيرهْ
وتفرَّقَ الأطفالُ ،
كلٌّ قدْ مضى ،
ومضيتُ في دربي
وتشعَّبتْ سُبُلُ الحياةِ بنا ،
وتناثرتْ كتبي
اللهُ كمْ أدمى الزَّمانُ جوانحي ،
واستُنزفتْ سُحُبي
قد أُسْدِلَتْ سُودُ السَّتائرِ ،
فوقَ ماضيَّ البعيدْ
وتقاسمتْ قلبي ،
جداولُ غربتي ...
وتكاثفتْ روحي على
قِمَمِ الزَّوايا الباردهْ
والنَّار فيها رَاكدهْ
حَيرى يغطِّيها الجليدْ .
---------------------------
برقٌ يضيءُ الأفقَ ما بينَ الجبالْ
رعدٌ يزلزلُ والمدى صوتُ المحالْ
وصدىً تردَّدَ في الفضاءْ
قمْ يا بنيّ
فاستيقظَ الصَّمتُ الحزينُ ،
وضَجَّ في صدري السُّؤالْ
أينَ المعلمُ ؟
أينَ منْ ؟
منْ كانَ يعزفُ فوقَ أوتارِ القلوبْ ؟
منْ كانَ يغرسُ في فَلاةِ طفولتي ،
أشواقَ ظبياتِ الجنوبْ ؟
منْ كانَ يطلعُ من غرابةِ دهشتي
شمساً وشمساً لمْ تجربْ ما الغروبْ ؟
ومضيتُ نحوَ جلالِهِ وشُموخِهِ ،
أجترُّ صمتَ المِحْبَرَهْ
وأعيدُهُ في خَاطري ،
صوتاً يُناغي القُبَّرَهْ
" ألفٌ أبني … باءٌ بلدي
بيدي بيدي … أبني بلدي "
وجلستُ عندَ الصَّمتِ ،
يُحرقني الحنينْ
وتموجُ في نفسي السِّنينْ
فكأنَّني ما زلتُ طفلاً ...
وصدىً يَصمُّ مَسَامعي
قمْ يا بنيّ
فأقومُ تركضُ في الدِّماء
غزالةُ الحزنِ المُوَشَّحِ
بانتكاساتِ الزَّمَانْ
قمْ يا بنيّ
فأقومُ ………
نحوَ الصَّوتِ يسبقني النَّشيدْ
هذا أنا منْ بعدِ ما كبرَ الزَّمانُ ،
وشابَ مِنْ طولِ الزَّمانْ
اللهُ يا هذا الزَّمانْ !
كمْ فيكَ منْ فَرَحٍ ؟
وكمْ أوقدتَ نارَ العشقِ في هذا الكيانْ؟
وَلَـكَمْ على أطرافِكِ الشَّعثاءِ
أرخَيتُ العِنانْ ؟
فرسي نشيدُ النَّهرِ ،
أغنيتي على حَدِّ السِّنانْ
وأُأطِّرُ الِّليلَ المُشرَّبَ بالرؤى
حتّى أقدَّ منْ الدّجى وَجهَ النَّهارْ
وأعيدَ للكونِ اخضرارَ الاخْضرارْ
اللهُ يا هذا الزَّمانْ
---------------------------
ذهبَ المعلمُ
إنَّما جَسَــدٌ ذَهَبْ
والرُّوحُ فينا لمْ تَزَلْ وثابةً
والقلبُ يسكنهُ الغَضَبْ
ذهبَ المعلمُ
إنَّما جَسَــــدٌ ذَهَبْ
ماذا أقولُ ؟
وسيِّدي يعلو السَّحابْ
النَّجمُ موطنُهُ
وبينَ يديهِ يشتعلُ العذابْ
هو سيِّدي ونشيدُهُ قُوْتِي…
ونشيدُهُ فَصْلُ الخِطابْ
---------------------------
ماذا تفجِّرُ في خفايا الرُّوحِ
يا هذا النَّشيدْ؟
لأظلَّ مصلوباً ،
على إيقاعِ لحنِكَ
مشدوداً بحبلٍ منْ وَريدْ
ماذا تفجِّرُ يا نشيدْ؟
وأنا الَّذي قدْ كنتُ التَمسُ الطُّفولةَ ،
حينَ تغدو ،
أنتَ مَأْوَايَ الوحيدْ
وألوذُ في دفءِ الأبوَّةِ
مُسنداً صَوتي ،
إلى جبلي العتيدْ
قد كنتُ منتشياً
بلا وَعْيٍ
سوى أني أرى عينيهِ
تلتمعانِ من وهجِ النَّشيدْ
ماذا تفجِّرُ يا نشيدْ؟
لو عينُ استاذي تراني
وأنا أُجدِّفُ في محيطِ المرحلهْ
وأطلُّ من شَرْخِ الزَّمانِ ،
أعيدُ ترتيبَ المكانِ ،
هُنا لنا قمرٌ ،
هُنا حَجَرٌ ….
هُنا نزرعْ …
ولا نقلعْ
وهنا سواسنُ حقلِنا وهُنا الأماني الذَّابلاتْ
وهنا مسابحُ جدّتي وهنا دموعُ الأمهاتْ
لو عينُ استاذي تراني
وأنا على ما كنتُ
في الزَّمنِ القديمْ
روحي جذورُ الأرضِ ،
وفي أغصانِها قلبي يُقيمْ
وجعلتُ ذاكرتي لها وطناً
وجعلتُها وطني الكريمْ
الأرضُ ،
رايةُ عزِّنا
الأرضُ ،
قنديلُ النَّسيمْ
قولوا لهُ
قولوا لمنْ ….
أعلى على طُهْرِ الطُّـفولةِ بيرقا
قولوا لمنْ
أبقى لنا جمرَ الطُّـفولةِ حارقا
قولوا : أرادنةٌ
من التاريخِ شاهدُنا
ومن نهرٍ أسامينا
وذُرى الشَّوامخِ
لنْ تطاولَ قاعَ وادينا
قولوا أرادنةٌ
لنا في قلبِ أمَّـتِنا شرايينٌ
فإن قُطعتْ وصلناها بأيدينا
قولوا لهُ
قولوا لمنْ صاغَ الطُّفولةَ موطنا
" ألفٌ أبني … باءٌ بلدي
بيدي بيدي … أبني بلدي
ألفٌ أبني …
أبني …
أبني …"