حجم الاستفزاز في الاردن ..
05-10-2016 03:44 AM
عمون - بسام بدارين* - حجم الاستفزاز الذي تحقنه ترتيبات الادارة عندما يتعلق الامر بتداول وتداور المناصب الرفيعة في الجو العام المشحون يدفع بالضرورة لانفجار مشاعر الاحباط عند الاردنيين والتعبير عنها بلغة غير مسبوقة لا تألفها أذن الاردني ولا تحبها القيادة والدولة ولم يعتد عليها الجميع.
هذا ما حصل تماما مع حزب الجبهة الاردنية الموحدة وهو يطلق بيانه الاخير موجها الخطاب مباشرة هذه المرة لمركز الدولة والقرار.
الاحباط الشديد يظهر في كل ثنايا هذا البيان حيث يهدد الحزب وهو حزب نخبوي وسطي بحل نفسه ويرفع من سقف الجرأة في التحدث مجددا عن اسئلة وملفات الفساد العالقة.
عندما تصمت الحكومة ولا يتحمل الموظفون مسؤولياتهم في مخاطبة الرأي العام وشرح الامور والخلفيات يحتكم العقل الجمعي الشعبي للإشاعة والتكهن والتحليل الخاطئ.
عندما يصر رئيس الوزراء وللعام الخامس على التوالي على الصمت مفضلا ان لا يتحدث للأردنيين ويتلمس اوجاعهم تتسيد مجددا الشائعات وينفجر سقف الرأي وتلوك ماكينة الناس الانباء والتسريبات وتقل هيبة الدولة بالنتيجة.
غير معقول ان لا تتحدث الحكومة بكل رموزها وان يصمت رموز الدولة جميعا في الوقت الذي تبرز فيه اوجاع الاردنيين ويبحثون من خلاله عن اجابات على تساؤلاتهم المزمنة حيث لا يتحدث المسؤولون للناس لا في قضية المناهج ولا في الوضع الاقتصادي ولا في مسألة الاغتيالات ولا حتى في نتائج الانتخابات ولا في اسباب التوتر والتأزم في مربع القرار.
للحق والانصاف في مواجهة شهر ايلول المليء بالأحداث الكبيرة بالنسبة لوجدان الاردنيين كان وزير الاتصال الناطق لرسمي الدكتور محمد المومني هو الوحيد في الساحة يناور ويحاور ويجيب ويشرح وحيدا وينوب عن بقية زملائه في ارواء تعطش الرأي العام للكلام.
يضرب الرجل مثلا في الالتزام المهني والاخلاقي عند الموظف الرفيع.
لكن بقية الحلقات للأسف تدخل في حالة السبات والصمت رغم وجود مئات الوزراء والمستوزرين والعشرات من رجل الظل الذين يسمع بهم الشارع ولا يرى حتى وجوههم.
طبعا سيصل حزب يتشكل اصلا من العقلاء واغلبهم من رجال الدولة السابقين إلى حد الانفجار في نقد مركز القرار ومخاطبته ليس لسبب ولكن لأن طبقة عريضة من رجال الظل تخلط كل الاوراق وتتخذ كل القرارات وتعيد فك وتركيب المشهد النخبوي كما يحلو لها دون ان تظهر ملامحها على الشعب ودون ان يسألها البرلمان او تتابعها الصحافة.
رجال الظل في الاردن يتمترسون وراء مهنة قديمة طالما خدشت العلاقة التاريخية المدهشة بين الاردنيين وحكمهم وبين المواطنين ومؤسساتهم المرجعية وهي الاحتماء بالمؤسسات السيادية والادعاء بحماية العباءة الملكية دون دفع كلفة الاقتراب الشديد من مركز صنع القرار لا على صعيد تحمل مسؤوليات امام الجمهور والقانون والحقيقة، ولا على صعيد تقديم المعلومة الصحيحة لصاحب القرار المرجعي.
لم يعد سرا في وسط صالونات عمان بل وازقتها ان مجموعة صغيرة من مستشاري الظل الشباب يتمتعون بقوى خارقة ويخترقون ابواب الوزراء ويتحركون باعتبارهم عابرون للحكومات فيقررون ويصدرون التوجيهات دون وجود «فلترة» حقيقية لمنسوب العلاقة بين الاجتهاد الشخصي.
والنص المرجعي ويمارس هؤلاء الغرور مع الجميع رغم ان الشارع لا يعرف وجوههم وفي الكثير من الاحيان اسمائهم لكن بصماتهم وآثارهم في كل مكان مما استمر في انتاج صورة مشوهة عن دولة تمثل شعبا طيبا ومؤسسة حكم قد تكون الوحيدة في المنطقة التي تجاوزت سؤال الشرعية.
نفهم من الدستور بان الحصانة للملك فقط ولا تشمل الحاشية ولا الموظفين خصوصا مع عدم وجود أداوت حقيقية لقياس منسوب المصلحة الشخصية والذاتية عند من يعمل في مؤسسات السيادة ولا نتحدث هنا عن مؤسسة بعينها بقدر ما نتحدث عن موظفين غامضين في العديد من المؤسسات يشار لهم بالإصبع في كل جلسات السياسيين والإعلاميين ولهم صلاحيات عابرة للجميع وتلتقط انفاسهم في كل التفاصيل لكنهم لا يخضعون لأي رقابة دستورية ولا حتى يتحملوا علنا مسؤولية ما يقررونه.
هم اقرب لصيغة اشباح تتحرك بالفضاء الوطني وتمارس كل انواع النزق مع الشعب الاردني ونخبه رغم ان واجبها تنشيط دورها كحلقات وسطى تنقل المعلومة من الناس لقيادتها وتشرح الرؤية من القيادة للناس وهو ما لا يحصل في الواقع لأن الخمول اصبح مزمنا في هذه الحلقات التي تحولت إلى جزر متناثرة من اصابع النفوذ غير المرئي في الوقت الذي يجلس فيه وزراء يحاسبهم الدستور عن كل صغيرة وكبيرة حائرون في كيفية التصرف ازاء قرارات لا يتخذونها واجراءات اعلنت من وراء ظهرهم.
نحسن الظن بالمؤسسات الاردنية جميعها ونفترض في الوطن حسن النوايا لكن للأسف الشديد لا يوجد اليوم وزير يعرف بصورة محددة لماذا اصبح وزيرا او لماذا خرج من وزارته ويتم تداول وتداور الاسماء بدون خطة واضحة المعالم وبصورة ارتجالية وعلى اساس واضح قوامه المحاصصة العشائرية والمناطقية وفي الكثير من الاحيان المحاصصة «الشللية «لأن اصحاب النفوذ في الخارطة البيروقراطية عبارة عن مجموعات تنهش كل منها ما تيسر من جسد الدولة وامكاناتها وتسحب بالنتيجة كل منها ما تستطيع من رصيد الدولة في وجدان الشعب.
نتحدث بشكل اصرح عن ظاهرة لم يعد من الممكن اخفاؤها وليس من المصلحة انكارها لأنها تمس بشكل اساسي بالأسس الدستورية للعلاقة بين مؤسسات التشريع والتنفيذ وتخدش الحالة الادارية المستقرة وتعتمد على الارتجال والعشوائية وتعكس القناعة مجددا بان كل رجل مناسب يوضع في مكان غير مناسب.
منتجات مثل هذا الوضع الاداري المشتبك تراكم الاحباط البائس في اوصال ومفاصل المجتمع وقد تجلى ذلك بوضوح عند تركيب مجلسي الوزراء والاعيان مؤخرا فقد دخلت الاهواء الشخصية والمصالح الشللية في هذا التركيب ونتج عنه اغضاب لمكونات اساسية في المجتمع اعتقدت للوهلة الاولى بان المحاصصة في الجغرافيا والعشيرة منصفة فتبين لها بان المحاصصة في الجهتين هذه المرة كانت شللية بامتياز وعملت على اقصاء كفاءات مشهود لها بدون مبرر وكرست نفوذ شخصيات لم تسجل اي علامة كفاءة وبدون مبرر ايضا.
هو نمط لم يعد يناسب اطلاقا دولة القانون والادارة الرشيدة التي ينادي بها الملك عبد الله الثاني ولم يعد ينسجم اطلاقا مع مطالب الرؤيا الملكية وهي تتحدث عن الاصلاح والتغيير والمستقبل والتنمية والانصاف والعدالة.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي» والمقال فيها.