المسؤولية الجماعية في قضايا اجتماعية
21-09-2008 03:00 AM
إذا ماعرفنا إن جلالة الملك يدفع زكاة أمواله الى صندوق الزكاة حسبما أفاد مدير عام الصندوق د. علي القطارنة في حديث تلفزيوني مع الزميل عساف الشوبكي ، فلنا أن نسأل كم من أولئك "المليونيرية " المتخمون يدفع زكاة أمواله التي تطهرهم وتزكيها ، وتساعد في التخفيف من وطأة الفقر التي يئن تحتها الآلاف من المواطنين معدمي الدخل والذين لا يمكنهم طيلة حياتهم من مشاهدة خط الفقر العالي جدا فوق رؤوسهم ، فهم ينامون بالقرب من اللبنة الأولى لجدار الفقر ، خاصة بعدما تم تمتين هذا الجدار بالغلاء المسلح والبطالة العصية .
تقول دراسة أن 30% من أغنياء الأردن يمتلكون 60% من إجمالي الدخل في البلد ، وطبعاأغلبية أغنياء المال يتمركزون في المدن الرئيسة وخاصة في العاصمة عمان وتحديدا في الأحياء البرجوازية ، ويمتلك أغنى 2% من هؤلاء " القلّـة " 13% من إجمالي الدخل حسب رواية الإحصائية وإن مررنا سريعا على روح الدراسة سنجد إن 40% من الطبقة الوسطى يمتلكون 30% من إجمالي الدخل ، وهذا بناء على معطيات سابقة قبل ان يعمل خياطو السياسات السياسية والاقتصادية في البلد مقصاتهم في ثوب تلك الطبقة ، حتى انحدر معظمهم الى الطبقى الأدنى اقتصاديا ، ويمتلك أفقر 30% من الأردنيين 11% من الدخل .. وحتى الآن فالمعلومات هي نتاج تلك الدراسة ، التي تدخل في باب سوفسطائية المعلومة ، والبحث عن الأرقام المحددة ، ليعرف القارىء ان نسبة 13 % أو 11 % كم تساوي بلغة الأرقام ، وهذا الجواب ليس في جعبتي الخاوية إلا من بعض المعلومات غير قابلة للنشر عن العديد من " الهوامير " .
يتوقع بعض اصحاب الشأن إن حجم التقديرات للأصول والأموال التي يلعب بها مجموعة لا يستهان بها من الملاّك وأصحاب الحسابات تتراوح مابين 20 الى 30 مليار دينار ، وهذا يعد فاجعة لنا إذا ما عرفنا كم سيكون ناتج الزكاة الحاصلة عن هذه المبالغ سنويا لو حصلت وصرفت في قنواتها ، ومدى الفائدة التي سيجلبها الانصياع الى أوامر الله لو دفعت لمستحقيها ، ومدى المشاركة الشعبية بجهود مكافحة الفقر ، ان تضافرت مع الجهد الرسمي الصادق ، وتم دفعها الى صندوق الزكاة لتوزع حسب برامج ومعلومات الصندوق ، أو عبر لجان الزكاة المنتشرة في جميع قرى ومخيمات ومدن المملكة ، وكم نتمنى على من فتح الله عليهم بالرزق أن يتوجهوا الى بالفعل الى القرى النائية ومخيمات المحافظات ليروا بأم أعينهم ، كيف اعتذرت الحياة خجلا للعديد من الأسر التي تعيش حياة الطيور البرية خبزها ليومها ، وغدا في علم الله .
وفي معرض حديثنا عن الفقر والفقراء وسقوط الطبقية الاجتماعية ، سأتطرق الى الإهمال الذي ارتكبته الحكومة وأجهزتها الضاربة عندما تركت شرذمة من الأفاكين يتلاعبون بفقر الناس وأحلامهم ، ليثروا على حسابهم خلال سنة مرت ، بداعي الاتجار عن طريق الاستثمار في البورصات التي قبض عرابوها حسب التقديرات مليار دولار ، والتي لم يخرج علينا حتى اليوم مسؤول فهمان ليحدثنا كيف كانت طريقة عمل أولئك النفر ، خاصة إنني كتبت في هذه الزاوية مقال قبل اشهر حذرت فيه من هذه العصابات التي دفعت المساكين الى بيع ماعزهم وبقرات كانوا يعتاشون منها ومصاغ كانت النساء الساذجات يتحلين به ، وآخرين من البسطاء اقترضوا من البنوك ليستثمروها في مشروعات العمل الأسود .
وسأعيد للتذكير فقط هذه الفقرة اقتبسها من المقالة : (المعلومات تقول ان هذه المكاتب قد انتشرت في العديد من المدن الشعبية الأردنية والبلدات أيضا .. وذكر لي مصدر مطلع ان أحد الأشخاص في إحدى قرى شمال المملكة يحتفظ بمئات الآلاف من الدنانير في صناديق كرتونية في منزله حسب معلومات غير رسمية .. وهناك طلبة جامعات يشتركون في هذه العمليات كمسوقين أو عملاء .. وفي القرى شمال عمان يقول أحد المحامين إن هناك نساء قمن ببيع مصاغهن ، ومواشيهن من أبقار وماعز للاستثمار في هذه البورصات القروية .. ويقال ان التهافت عليها أصبح يشكل ازدحاما لدى أصابع المسؤولين في تلك المكاتب جرّاء المصافحة والقبض والعدّ .. والمشكلة إن الحكومة ترى وتسمع وتتثاءب ، دون تحرك استعلامي عن حقيقة الوضع ) .. انتهى الاقتباس .
اليوم لن نعود للبكاء على ما جرى ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، وسوف أغفل ملاحظة مهمة تتعلق في ان الكثيرين من أصحاب الطبقة المتوسطة شاركوا أصحاب الملايين أفكارهم بالإثراء ، وأخرجوا ما تحت البلاطة من دنانير ، ولو فكروا في استثمارها من خلال جمعيات أهلية تعمل بتجارة زكية ، لما وجدنا اليوم إن الآلاف سوف يسجلون في قائمة جديدة ممن تجوز عليهم الصدقات والزكاة .. اللهم لا شماتة .
وسنعود للحديث عن أهمية دفع الزكاة لنخرج من الموضوع ، فهذا ليس واجبا وطنيا أو أخلاقيا أو تضامنيا كالصدقات والمساعدات ، بل هو فرض إجباري من الخالق عز وجل ، وكثيرا ما ربط القرآن الكريم الزكاة بالصلاة التي هي عمود الدين ، وفرق بينها وبين الربا الذي انتشر كالأوكسجين في عالمنا مع تحريمه في جميع الشرائع ، قال الله تعالى في الآية 43 من سورة البقرة : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) وهناك خمس آيات في القرآن ارتبطت الزكاة مباشرة مع الصلاة فيها .
أما الربا فيتضح حكم تحريمه في الآية 275 من سورة البقرة : ﴿وأَحَلَّ اللّهُ البيع وَحرَّم الرِّبا﴾ ، وقول الرسول الكريم : "لعن الله آكل الربا وموكله ومانع الزكاة" وجاء في الحديث الصحيح قول الرسول عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (أعْلمهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.) وجاء في إنجيل لوقا: " إذا أقرضتم الذين ترجون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم .. ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدها… وإذاً يكون ثوابكم جزيلا" . يقول احد الآباء اليسوعيين وهو الأب بوني : " إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة، إنهم ليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم" .. أما في التوراة ضمن سفر التثنية، الإصحاح الثالث والعشرين: " للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بالربا" ، مع ملاحظة التحريف في النص فقد كان الاصل محرما على الجميع ..وكثيرة هي الشواهد الشرعية ، والتي ليس محلها خطابنا ولكن جئت بها للتذكير .
وأذا ما عرفنا مثلا ان اثنين من أغياء العالم أحدهم " وارن بوفيه والآخر بيل غيتس " قد قاما بتخصيص جزء كبير من ثرواتهم للمساعدات الإنسانية ، وصلت عند الأول الى 83 % ، فكم كنا نتمنى من كثير من أصحاب الأموال المكدسة والتي زكمت رائحة أوراقها أنوف محاسبي البنوك ان يبادروا الى المشاركة واقتسام جزء من الحمل الثقيل في دفع زكاة أموالهم التي لن تنقص شيئا بل ستبارك ، وان يتصدقوا ، ليس في هذا الشهر الفضيل فقط ، بل في كل الأوقات والملمّات .. مشاركة تؤكد على إنسانيتهم وحسن مواطنتهم ، ومشاركتهم للخيرين ممن يدفعون الآلاف سنويا كزكاة أو صدقات ومساعدات ، ولو أقرت الحكومة قانونا ملزما للزكاة لكان الأمر أوجب ، ولكن هيهات ، وقوانين الضريبة تتقاطع مع كل ما من شأنه ان يجعل المرء يتمنى ذلك ، فالمواطن عندنا أصبح يعمل طيلة السنة حتى يدعم الحكومة عن طريق الرسوم والضرائب .. ثم لا أتمنى ان يخرج علينا صديق ليقول : فال الله ولا فالك ..
سندفع حينها زكاة للحكومة الفقيرة فهي أحرى بأن يتصدق عليها .
Royal430@hotmail.com