اتفاقية الغاز الاسرائيلي هل هي خيارنا الاستراتيجي
المحامي الدكتور هيثم عريفج
04-10-2016 09:30 AM
في الثالث من أيلول وقّعت شركة الكهرباء الوطنية الاردنية المملوكة بالكامل للحكومة، رسالة نوايا مع تجمّع شركات حقل “لفاياثان” ممثلة بشركة نوبل انيرجي الأمريكية، اتفاقية تصل قيمته إلى 15 مليار دولار على مدار 15 سنة مقابل ما مجموعه 45 مليار متر مكعب من الغاز ، بناء على هذه الاتفاقية ستدفع شركة الكهرباء مليار دولار سنويا من اجمالي مصاريفها السنوية والبالغة 3.5 مليار دولار أي 30٪ .
ان الفكرة من توقيع شركة نوبل انيرجي الاتفاقية بالنيابة عن تجمع شركات حقل لافايثان أن تخلق جهة جديدة لا ترتبط قانونيا مع إسرائيل، ولكن ستسمح لدولة الاحتلال أن تكون البائع التعاقدي مع شركة الكهرباء الوطنية، فعند اي اعتراض على هذه الصفقة ستدعى الحكومه بأن شركة الكهرباء تشتري غازا من شركة أمريكية.
للعلم ففي تجمع شركات حقل لافايثان، تملك الشركات الإسرائيلية 61٪ من حقل لفايثان، و39٪ الأخرى تملكها شركة نوبل الإنرجي الأمريكية ، الشركات الإسرائيلية الأخرى هي شركة أفنر للنفط والغاز التي تملك 23٪، وشركة دلك التي تملك 23٪، وشركة راشيو للاستكشاف النفطي التي تملك 15٪ .
وبحسب توصيات لجنة حكومية يترأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن عوائد تصدير الغاز إلى الأردن ستساعد إسرائيل على الاستثمار في مشاريع استراتيجية وطنية، في قطاع التعليم والأمن، اذ انه من إجمالي الـ15 مليار دولار سيذهب 56% (8.4 مليار دولار) إلى دولة الاحتلال على صورة عوائد حقوق ملكية وضرائب مفروضة على عوائد الأرباح الطارئة ، بالاضافة الى ضرائب الشركات بواقع 559 مليون دولار سنوياً.
وقد بررت الحكومة هذه الصفقة مستخدمة أسباب اقتصادية مدعية أن الصفقة ضرورية لمواجهة عجز الطاقة ، والبدء بإطفاء خسائر شركة الكهرباء الأردنية ، حيث اننا في الاردن نعاني من عجز كبير في الطاقة اذ نستورد ما مجموعه 96% من احتياجات المملكه من الخارج ، وهذا احد الاسباب التي تلقي عبئ كبير على شركة الكهرباء الوطنية التي تدفع تكلف عالية لانتاج الكهرباء ،اذ تدعى الحكومه بانها ستكون مضطرة لرفع أسعار الكهرباء كونها تدعم فاتورة الكهرباء بما يزيد عن ضعف قيمة الفاتورة التي يدفعها المواطن مما تسبب بعجز كبير في الموازنه اذا لم يتم توقيع اتفاقية الغاز الاسرائيلي .
السؤال الذي يثور هل هذه الاتفاقية هي خيار الاردن الاستراتيجي؟ وهل رفض مثل هذه الاتفاقية سيكون كارثياً على الاردن؟ وهل هناك من البدائل المتوافرة بين ايدي صانعي القرار في الدولة الاردنية بحيث لا تخضع للضغط في اي لحظة؟ سيما واننا في الاردن الحل الاسهل لمشاكل اسرائيل وللقضية الفلسطينية من وجهة النظر الاسرائيليه، ولا اكون متجنياً ان قلت من وجهة النظر الامريكية ايضاً.
فيما يخص تجاربنا السابقة مع دولة الاحتلال أعتقد ان اتفاقيات المياه التي كانت ملازمه لاتفاقية السلام وما قامت به اسرائيل من ضخ مياه ملوثه من بحيرة طبريا الى نهر اليرموك بالاضافة الى ضخ كميات اقل من المتفق عليها ، هذا بالإضافة إلى الاتفاقيات الاقتصادية التي لم تلتزم بها إسرائيل اكبر دليل على ان التجارب السابقة معا لم تكن تجارب ايجابية ، بل على العكس فان دولة الاحتلال هي دوله عدوانية لا يمكن الركون الى نواياها . نحن لا نتحدث هنا عن عواطف بل نتحدث عن عدو لازال يحاول سن قوانين في الكنيست الاسرائيل حتى وقت قريب ضد الأردن وأهمها مشروع التوطين والوطن البديل ، وغيرها من الحلول التي تريح اسرائيل برغم اتفاقية السلام المزعومه ، فهل يعقل ان اقوم كاردن بدعم ميزانيتها بمبلغ 8.4 مليار دولار اميريكي خلال الخمسة عشر سنه القادمه ؟
لدى الاردن العديد من البدائل التي يمكن اللجوء لها اهمها الطاقة الشمسية والتي يعد الاردن من اهم الدول التي يمكن استغلال منخها و شمسها لانتاج الطاقة باقل الاسعار حيث ان شمس الاردن تشرق مايزيد عن 330 يوما في السنه . كما ان هناك بدائل اخرى رخيصه مثل الغاز المسال الذي يمكن استيراده من الجزائر باسعار مقبوله جداً . او استخدام المشتقات النفطية الثقيلة الرخيص نسبيا هذه الأيام وذلك لتوليد الكهرباء .
مثال اخر للبدائل التي تتوافر في ايدي الحكومة هو الغاز الاردني والذي تؤكد العديد من الدراسات اننا نطفوا على بحر منه ، بالاضافة الي الصخر الزيتي . الا ان الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية اصرت و تصر على التعامل بطريقة التجاهل مع هذه الخيارات بل قد قامت بالفعل بالتعامل بطرقه غير مفهومه مع حقل غاز الريشة . اذ بعد ان قامت شركة بريتش بتروليوم البريطانية بانفاق مليارات الدولارات على المشروع الذي حصلت على امتيازه قرب الحدود الاردنية العراقية ، بين ليلة وضحاها غادرت الشركه بسرعه دون سابق انذار ن ودون اي مبررات . نتساءل ما السبب ؟ و لماذا لم نبحث عن بدائل طوال السنوات الماضية ؟
ان من يحرك العالم سياسيا هم المتحكمون بالاقتصاد ، وهذه حقيقه يدركها الجميع . لذلك ليس من الحكمه مساندة اقتصاد يضغط علينا سياسيا بحيث نضع كل خياراتنا الاستراتيجية في سلة دولة الاحتلال ، التي لا تخفي نواياها السيئة تجاه الاردن . لذا فانه من المستبعد ان يكون خيار الدولة الاردنية الاستراتيجي التعاون مع دولة الاحتلال في مجال الطاقة بل ان هذا الخيار سيكون كارثياً على الاردن بحيث يضعنا بين مطرقة الاحتلال وسندان الضغط الاقتصادي وضغط الطاقة، لاجبار الاردن على القبول بطروحات اسرائيل خصوصاً فيما يتعلق باقامة فيدرالية بين اراضي السلطه الوطنية الفلسطينية والمملكة الاردنية، مما سيكرس فكرة التوطين والوطن البديل.