كيف نخرج من ازمة المناهج .. ؟!
حسين الرواشدة
03-10-2016 12:15 AM
كان يمكن لوزير التربية والتعليم ان يحسم “جدلية” تعديل الناهج بكلمة واحدة: اخطأنا وسنعيد النظر لتصويب ما حدث، لكن مثل هذا “الاعتراف” غير موجود –للأسف- في قاموسنا السياسي، فالمسؤول في بلدنا لا يخطىء، وما يراه دائما هو الصواب..
سبق ان اشرت الى هذه “الارتجالية” في التعامل مع هذا الموضوع، لكن ما حدث بعد ذلك استفزني وصدمني، فقد تدحرجت كرة “المناهج” المعدلة من سجالات النخب وخلافاتها الى الشارع، فشهدنا حفلات “لحرق” الكتب المدرسية في ساحات المداراس، وتابعنا فصولاً مخجلة من “المعارك” بين تيارات سياسية حاولت اختطاف المسألة لتصفية حساباتها، وفي اثناء ذلك غاب صوت “المسؤولين” عما جرى، وتم استدعاء علماء افاضل ومشايخ لكي يدافعوا بالنيابة عن “الفاعلين” دون ان ينتبهوا الى ان الدفاع عما جرى لا يقع في اختصاصهم، وانما باختصاص اخرين من فقهاء التربية وفي مقدمتهم من قام بعملية “التعديل” وباشرها بنفسه.
في الاصل، لا احد ضد اصلاح المناهج، هذه القاعدة كان يمكن الانطلاق منها لاحداث تغييرات، لا مجرد تعديلات، على منظومة المناهج الدراسية بأكملها، وحين تم تشكيل لجنة ملكية للموارد البشرية انبثقت عنها لجنة لدراسة “ملف” التعليم الاساسي والجامعي، ثم صدرت لاحقا استراتيجية لاصلاح قطاع التعليم تضمنت خطة شاملة مدتها 10 سنوات، لكن وزارة التربية استعجلت واجرت تعديلات “مشوهة” استفزت الناس، خاصة حينما تعمد “مصمومها” حذف اسماء لها رمزية دينية او حذف ايات قرآنية واستبدالها بنصوص اخرى، وزاد الطين بلّة –كما يقال- حين ذكر احد المسؤولين ان عملية “التعديل” ارتبطت بمواجهة التطرف، على اعتبار ان مناهجنا مصدر من مصادر الارهاب!
عملية الربط هذه بين “تعديل المناهج” وبين مواجهة الارهاب والتطرف، سواء اكانت صحيحة ام لا، استدعت لدى الرأي العام على الفور المزيد من الهواجس، كما انها غذت حالة الرفض الشعبي، وكان يمكن ان يجري “تخريج” القضية من بوابة اخرى، لان الجميع يدرك ان مشكلة مناهجنا لا تتعلق بالتحريض على التطرف وانما تتعلق بخلوها من مناهج التفكير والنقد، واعتمادها على التلقين، ناهيك عن تواضع مهارات بعض المعلمين وعدم وجود بيئات مدرسية مناسبة، وهي مشكلات لا علاقة لها بالنصوص الدينية التي استهدفتها التعديلات، ولا بالاضافات الشكلية التي ادخلت على المناهج.
الضجة التي اثيرت اذن كانت نتيجة طبيعية لحالة التسرع والارتباك التي وقع فيها المسؤولون عن عملية “التعديل” ، فقد عجز هؤلاء عن اقناع الراي العام بان ما جرى كان تطويرا واصلاحاً وليس تعديلا فقط، وانه لا يستهدف الدين والقيم والثوابت التي تربت عليها الاجيال، وانما يستهدف “التكيف” مع مقاصد الدين وضرورات العصر، خاصة فيما يتعلق “بتعليم التفكير” باعتباره اساس عملية التطوير المطلوبة، عجزوا عن ذلك لان ما حصل لم يقع في صميم المطلوب.
مع دخول نقابة المعلمين على الخط، وارتفاع اصوات من داخل لجان تطوير المناهج كشفت عما جرى، ومع استمرار السجالات بين التيارات السياسية التي استثمرت المشكلة لحساباتها، ومع استدعاء بعض العلماء لمواجهة الجمهور واقناعه بوجاهة التعديلات وانسجامها مع الدين والعصر، تعقدت المشكلة اكثر، واصبح من غير الممكن اقناع الرأي العام بقبول التعديلات، فقد غلبت الانطباعات على ما يمكن ان يدرج من وقائع وادلة، واصبح لدى معظم الناس مزاج عام ضد ما جرى، وبالتالي فإن البديل المناسب هو الغاء التعديلات والعودة للمنهاج القديم، انتظاراً لما تقرره استراتيجية اصلاح التعليم التي تم اقرارها..
لا بدّ ان نفعل ذلك لان الاستمرار في مثل هذه المواجهة سيضر بفكرة اصلاح التعليم وسيكرس في الوعي الشعبي انها مفروضة علينا وتستهدف تشويه ديننا ايضاً.
الدستور