فجع الاردن في صبيحة الاحد الماضي، بحادث اجرامي هو الاول من نوعه منذ عقود مضت ، الا وهو اغتيال المفكر والكاتب والصحفي والسياسي والشاعر ، الشهيد ناهض حتر ، الذي عرف على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم ، كمفكر ومحلل سياسي ، صلب وواضح المواقف ، واكثر ما عرف عنه ، موقفه الذي عرى فيه مؤامرة الربيع الامريكي الصهيوني ، الذي اجتاح منطقتنا منذ ما يقارب الستة اعوام ، ومساندته للدولة السورية ومحور المقاومة ، وتعريته ايضا لادوات ذلك الربيع المشؤوم.
الشهيد ناهض حتر ، وقبل ان يكون قوميا وامميا ، هو وطني اردني بامتياز ، يعشق بلده الاردن ، وان صنف كمعارض لمواقف واوضاع وقرارات في الاردن، الا انه لم يحمل فكرا انقلابيا، بل فكرا اصلاحيا ، ولقد عرف عن الشهيد حتر ، بانه من ابرز اليساريين الاردنيين ، الذين انصفوا الشهيد وصفي التل، وساهم بقلمه ولسانه، بتفنيد كل الاتهامات الباطلة التي الصقت به، وهذا ما لا يمكن ان يفعله، من يحمل فكرا انقلابيا ضد النظام في الاردن ، ونحن نعلم مكانة الشهيد وصفي التل ، ووطنيته واخلاصه للنظام في الاردن ، وقد علمت ايضا انه الف كتابا لم اقرأه اسمه " الملك حسين بقلم يساري اردني" ، وقد تطرق فيه الى خصال الملك الراحل ، واثنى على دوره في بناء الاردن المعاصر ، وعلى مواقفه السياسية ، رغم معارضته لبعض تلك المواقف.
حتى في ظل الربيع الاسود، وفي ظل الحديث عن دور اردني مناهض للدولة السورية ، كان الشهيد يتخذ مواقفه انطلاقا من محبته لبلده الاردن وحرصه عليه ، فيدعو بكل وضوح الى تعاون الجيشين العربيين السوري والاردني ، والى تعاون المخابرات الاردنية مع المخابرات السورية ، لصد المؤامرة عن المشرق ، لانه راى ان ما يجري في سوريا ، مؤامرة قذرة تستهدف الاردن ايضا ، كما تستهدف فلسطين.
الشهيد ناهض حتر لم يكن يوما اقليميا ، وهو اليساري الذي تبنى اخيرا مشروع المشرق العربي ، الذي يضم سوريا والعراق والاردن وفلسطين ولبنان ، وما موقفه الصارم من موضوع فك الارتباط مع الضفة الغربية ، الا من منطلق الحرص على مستقبل القضية الفلسطينية ، والهويتين الاردنية والفلسطينية ، وهو نفس المنطلق ، الذي دعا قمة الرباط عام 1974 ، الى تبني مطلب منظمة التحرير الفلسطينية ، بان تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
فكم من تشابه كبير بين الشهيدين وصفي التل وناهض حتر ، عشق كبير لا حدود له للاردن بكل مكوناته ، وضوح وجرأة في المواقف دون مجاملة ، اتهامات ظالمة لم تفهم ولم تستوعب فكر الشهيدين ، واخيرا سيرهما معا على طريق الشهادة برصاص الغدر والجهل.
مخطئ من يظن ان الرسم الكاريكاتيري ، هو سبب اغتيال الشهيد ، هو كذلك بالنسبة للقاتل ، لكن القاتل الحقيقي هم المحرضون ، الذين استغلوا ذلك الرسم ، لتصفية حسابهم مع سياسي جريء مثقف ، فضح مواقفهم ودورهم في الربيع المؤامرة ، هذا الرسم الذي وضع لفترة وجيزة على صفحة الشهيد ، ثم سحبه واعتذر عنه ، وقد كان يعي في اعتذاره دوافع من حرضوا عليه ، وميز بين البسطاء الذين يغارون على الدين ، وهم موضع احترامه ، وهولاء من خيرة ابناء شعبنا الطيب المتسامح ، الذين لا يمكن ان يلجأوا الى القتل ، وبين الدواعش الذين استغلوا الرسم، لكي يؤلبوا الراي العام الاردني ضده ، بكلمات تنم عن حقد وكراهية عميقة ، لم تاتي بسبب الرسم الكاريكاتيري ، بل دافعها الحقد على دوره الوطني والقومي ، في تعرية ادوات مؤامرة الربيع.
رحم الله شهيدنا ناهض حتر ، ذاك الفارس الذي ترجل ، وهو في عنفوان شبابه وعطاءه ، لقد خسر الاردن ذلك المفكر العاشق لكل ابناءه ، ولكل ذرة من ترابه ، عزاؤنا يا ناهض ، انك سرت على درب وصفي وهزاع ، وفديت الاردن بدمك ، وسيبقى اسمك خالدا في تاريخ الاردن ، وسيظل فكرك ومواقفك الواضحة الجريئة ، نبراسا لكل الشرفاء ، المجد للشهداء ، المجد للاردن .