أكبر خطأ ترتكبه الدولة "أية دولة"، هو تحييد اللونين السياسي والأمني عند بناء الاطر التنظيمية لسلطاتها, والاستعاضة عن ذلك, بتولية أشخاص هم اقرب إلى اللون الوظيفي منهم إلى أي لون آخر , لإدارة تلك السلطات.
تاريخيا وإلى يومنا هذا , تعارفت دول الارض, على أن حكوماتها وبرلماناتها, تأتي من بيئات سياسية هي الأحزاب السياسية, ووسيلتها إلى ذلك , هي صناديق الاقتراع المعبرة عما يسمى إرادة الشعوب ورأيها, في تسمية من يحكمها.
في الدول المستجدة على الحياة الحزبية السياسية, أو تلك التي لم تتجذر فيها بعد , كما هو حالنا في الاردن مثلا, تحرص تلك الدول على أن تكون حكوماتها وبرلماناتها ذات طابع سياسي محض, باعتبار أن مهمة الوزير , هي رسم سياسات عامة لوزارته يقرها مجلس الوزراء , ويتولى فنيو وإداريو وزارته تنفيذها تحت رقابته وإشرافه , مثلما هو شريك بالرأي والتصويت في إقرار سائر سياسات الوزارات الأخرى , أي السياسات العامة للدولة , بصفته عضوا في فريق هو مجلس الوزراء.
ما ينطبق على الوزير تنظيميا, ينطبق ومع فارق إجرائي, على عضو البرلمان المكلف بمهمة التشريع بالمشاركة مع سائر الأعضاء, وبمهمة الرقابة على الوزراء أفرادا, وعلى مجلس الوزراء مجتمعا, وسائر الأذرع الوظيفية التنفيذية.
هذا ببساطة وبإختصار, هو واقع عمل السلطتين التنفيذية "الحكومة"، والتشريعية "البرلمان", وأي اجتهاد آخر خارج هذا السياق, هو خروج على المألوف, والمتعارف عليه عالميا!
هذا العمل أعلاه، لا يمكن له أن ينجح عمليا , دون المشاركة الفعلية مع المؤسسة الوطنية الإستخبارية, بإعتبارها , الجهة التي تملك المعلومة وفقا لمهمتها الأساسية، سواء عن الاشخاص الراسمين والمنفذين للسياسات العامة ومدى إلتزامهم وإخلاصهم لها وقدراتهم كذلك, أو عن الواقع العام بكل تفاصيله وأسراره داخليا وخارجيا على حد سواء, صحيح انها ليست الجهة المخولة بإتخاذ القرار, لكنها تنهض بما هو أهم, وهو توفير ووضع المعلومة التي تحدد لصاحب القرار, شكل وجوهر ذلك القرار الأقرب إلى الصواب .
هذا يعني , أن هناك معادلة راسخة تاريخيا تقضي بحتمية تغليب السياسي والأمني , على أي اعتبار آخر عند تشكيل الحكومات وانتخاب البرلمانات, وبالذات , في الدول التي تنتخب على أسس غير حزبية, خلافا لما هو معمول به في الدول ذات الديمقراطيات العريقة, ليكون المنتج النهائي سياسيا بإمتياز, وعلى نحو تحتاجه الدول وبإلحاح, وبخاصة في زمان الشدة والأزمات كما هو حال منطقتنا وجوارنا هذا الأوان ,حيث تستعر حروب تنبيء بما هو أخطر في كل لحظة!
التكنوقراط ورجال المال والأعمال واللون الوظيفي عموما, يمكن أن يحقق شيئا في الاقتصاد مثلا , ولكن في أوقات الرخاء والسلام والإستقرار التام , لكنه وهذه ليست تهمة أو تقليل شأن, لن يكون بمقدوره تحقيق شيء ملموس, في زمن سياسي بغيض ملتبس محفوف بالمخاطر ومآلاته غامضة تماما .
الخلاصة, لن ينجح أحد في تحقيق المبتغى, لا السياسي ولا الوظيفي , إلا بالإقرار العملي بأهمية وأساسية الدور الأمني للمؤسسة الامنية الإستخبارية , صاحبة الأهلية والسبق في توفير المعلومة على أهميتها البالغة لصنع القرار الصحيح, والأقدر من سواها على الربط بين المعلومات وإستخلاص النتائج والتنبؤات حول الحاضر والمستقبل على حد سواء. اللهم اشهد, اللهم قد بلغت والأيام بيننا، والله من وراء القصد .