لا أعرف عن القاتل شيئاً، ولكنّ القتيل كان صديقي. لم أكن هناك، على عتبة الجريمة، ولكنّ الرصاصات السبع اخترقت رأسي وجسدي.
لم أصدّق الخبر، ولكنّني بكيت القتيل، وبكيت القاتل. من حُزن عارم بكيت ناهض، ومن غضب مدمّر بكيت ذلك الذي أصرّ على قتل رجل لا يعرفه، ولم يقرأ له شيئاً، ولا يميّزه إلاّ من الصور.
القتيل ناهض لم يحظ بأبسط حقوقه، بمحاكمة عادلة، أمّا القاتل فسلب كلّ الحقوق وكان المدّعي والقاضي والجلاد. القتيل سمّى وحيديه المنتصر بالله والمعتصم بالله، أمّا القاتل فاشترى مسدّسه ورصاصاته باسم الله، وتدرّب عليه باسم الله، واستعمله باسم الله، ولعلّه قال حين أطلق غدره: بسم الله.
ولا يُقرن باسم الله سوى كونه الرحمن الرحيم؛ فأيّ رحمانية! وأيّ رحمة هذه التي أتت من رصاصات شيطانية، لتأخذ معها روحاً حافلة بالفكر والجدل الحَسَن؟ فالقتيل لم يدع في يوم إلى القتل، بل كان هو المعرّض دوماً للضرب المبرّح والطرد والنبذ وأنواع الاضطهاد، وفي آخر الأمر للقتل.
أنا أعرف ناهض جيّداً، ولا أعرف قاتله أبداً، ولا أريد أن أعرفه، ولا يهمّني مصيره، فهو مجرّد رجل عابر للحياة، لم يُقدّم لها شيئاً سوى أنّه وضع نفسه مكان الله سبحانه وتعالى، أو أنّه ظنّ في لحظة مريضة أنّه يملك تفويضاً إلهياً، فقرّر مصير روح، ولو قرأ في كتاب الله قليلاً لعرف أنّ رحمته تسع السماوات والأرض، وأنّ أوّل الكلمات التي نزلت عبر الوحي إلى محمد هي: { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وأمّا أوّل الإنجيل فهو: في البدء كان الكلمة.