حان الوقت لكي تتركوا مقاعد المتفرجين .. !
حسين الرواشدة
29-09-2016 12:33 AM
في كل مرة تطرح فيها قضية المواطنة نكتشف أننا نوجه نقاشنا العام حول “نقاط” ملغومة وملتبسة ومستفزة، ونقع ضحية لتجاذبات “متطرفة” لها مصلحة في اذكاء حدة الصراع واستمراره بدل حله وتجاوز مطباته، كما نكتشف بأن الاشكالية لا تتعلق بما يريده الناس وما يشغلهم من قضايا وهموم وانما تتعلق “بحسابات” النخب واشتباكاتها التي غالباً ما تعتمد منطق الاقصاء والحذف وتغيب عنها اخلاقيات الخصومة السياسية كما يغيب عنها التفكير - مجرد التفكير- بانتاج مشروع وطني جامع أو التأسيس “لملة وطنية” تستوعب الجميع ولا تترك لأحد أن يطرد الآخر من داخل هذه “الملة”.
لقد “تعبنا” على مدى السنوات الماضية من “التنظير” في قضايانا ، وانشغلنا كثيرا بالحوارات والسجالات واعطاء الوصفات والاقتراحات التي لم يَرَ غالبها النور ، وها قد حان الوقت لكي نفكر - جديا - بانتاج مشروع وطني جامع ، يتغذى من كل مقومات بلدنا وانجازاته ، من الفن الذي أهملناه ، والأغاني التي تحولت - للاسف - الى وجبة ثقيلة للشحن وادامة “التلبك” الوطني ، والدين الذي أصبح خطابه مملا وغير مقنع كما يظهر في أنماط تديننا وخطب منابرنا وعظات بعض “الفاعلين” في مجال الدين ، ثم من الثقافة هذه التي تعاني من “فقر” مدقع ، لا فيما يخصص لها من “اموال” وانما فيما تشهده من ضحالة افكار ومن تراجع في الابداع.
يمكن - ايضا - لهذا المشروع ان ينطلق من “الجامعات” بشرط ان ترفع عن “ابوابها” ما وضعته من اقفال لمنع طلبتها من الحركة والبحث والاندماج في قضايا المجتمع والمشاركة في نشاطاته... ويمكن ان ينطلق من الاحزاب والنقابات متى خرجت من قبضة الخوف ومن الانشغال في المهنة فقط أو في السياسة فقط، ومن المنابر والكنائس ايضا.
لنعترف ان غياب “المشروع” الوطني الجامع والمقنع والعملي فرغ طاقات شبابنا في ابواب اخرى ، وأفسد أخلاقهم ، ودفعهم الى الانشغال بإذكاء الصراعات السخيفة بينهم ، ولنعترف ايضا أن الفراغ الذي نعانيه على صعيد “العمل الجماعي المنتج” فتح المجال أمام الشباب لملئه بالعمل الفردي الذي انتج ثقافة العنف وثقافة الاستهلاك وثقافة الانحلال.
لم يعد ترفا ان نطالب باعادة خدمة العلم ، ولا باعادة معسكرات الشباب ولا باعادة الخطاب الديني الصحيح الى منابرنا ، ولا باعادة المناظرات السياسية والثقافية ولا باعادة “اعمار” الارض التي هجرناها ولا بإعادة افكار وبرامج ونشاطات كثيرة، كان اعلامنا دائما بيننا يتبناها وشعراؤنا يرفعون عناوين جاذبة لها ، بما يكفي لبث الحماسة في شبابنا ، واشاعة قيم العمل والانتاج والانتماء فيهم.. ليس ترفا - ابدا - ان ندعو لذلك فيما قيمنا تتراجع ، وشبابنا يتصارعون.. ونحن نتفرج..
طرحت فيما مضى فكرة بروز”كتلة” تاريخية اردنية كمخرج لردم الفجوة بين مواقف الفاعلين في مجالنا السياسي والاجتماعي والديني ، واضيف اليوم ان توافق الراغبين بالانضمام للكتلة التاريخية على (مشروع) وطني واضح اصبح ضرورة وطنية ،وبموجب ذلك لا بد من التركيز على هدف مشترك واحد وتأجيل بقية الأهداف ،كما لا بد من التنازل طوعا عن الاجندات الخاصة، ووقف الاتهامات المتبادلة،وتسديد الخطاب السياسي نحو اهداف محددة،وجدولة الخلافات على التفاصيل،واعتبارالمواقف المتباينة تجاه ما يجري في الاقليم من تحولات واحداث مسألة (فرعية) وليست اولوية، وهذه يمكن مناقشتها في اطار مدى تأثيرها على المصالح العامة للدولة.
لدينا ما نحتاجه من مقومات لانتاج هذه الكتلة وهذا المشروع الوطني الذي “ يستوعب شبابنا ويلهمهم ، لكن ما نفتقده هو “قرار” شجاع يأخذنا من محطة “الانتظار” الى محطة “الانطلاق”..
قيمة هذا المشروع الوطني انه يجيب على سؤال “المواطنة” ويستوعب جدل الهوية وينطلق من مرجعية موحدة للاردنيين الذين تجمعهم حضارة عربية واسلامية وعيش مشترك واواصر مصاهرة وتقاليد سمحة ، ويتناسب مع استحقاقات المرحلة التي التي لن تتركنا ننعم بامننا ما لم نحافظ عليه بكل ما الدينا من امكانيات ، كما انه يتجاوز بنا مربع الأزمات التي ورثناها عن طروحات مستوردة وغريبة اورثتنا ما نعانيه من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة.
الاجابة الحقيقية على سؤال الكراهية والخوف والعبث بالنواميس الدينية والوطنية والتطرف الذي اصبح يتغلغل داخل مجتمعنا والاصلاح الذي انقطعت اخباره ، الاجابة تحتاج الى صياغة “مشروع وطني” يشكل اطاراً عاماً للحركة نحو مستقبل واضح، فيه يتوافق الاردنيون بمختلف أطيافهم – حول قيم مشتركة، ومرجعية جامعة، وبرامج تنموية تحررهم من الانشغال في الجدل على الهوية والمواطنة والحقوق الزائدة والناقصة وتنقلهم الى نهضة حقيقية يساهم فيها الجميع ويستفيد منها الجميع.
هنا يمكن للذين باتوا يعتقدون اليوم ان بلدنا يواجه اسئلة ومخاضات كبرى، وان واجبهم يتجاوز مجرد المعارضة والانتقاد مع الاستمرار في التلاوم والصراع،يمكنهم ان يتقدموا خطوة للامام ،وان ينهضوا عن مقاعد المتفرجين(لكي لا نقول مقاعد المشاكسين) ، لكي ينزلوا الى ميدان الفعل لا مجرد الكلام والى ممارسة الواجب لا الاكتفاء بالوعظ والتحذير فقط، فنحن امام مرحلة تداهمنا اخطارها التاريخية،وهي اخطار لا تستوجب تحالفات سياسية تدافع عن الحدود فقط وانما تحالفات تاريخية تحمي الوجود ايضا..
الدستور