أذناب الفتنةرشاد ابو داود
28-09-2016 10:56 AM
تنظر خلفك، عشر عشرين ثلاثين سنة ،تتنهد، ترتسم على وجهك ابتسامة حزينة .انت الذي عشت هذا العمر بدم عربي نقي من شوائب الفرقة المذهبية والعنصرية والدينية. وطن واحد لا يفرق بين بشره وشجره وحجره ريح ولا ربيع ولا مطر ...»يا خوي، ياابن عمي، يا صاحبي يا جاري» ، كنا نقولها ونعنيها ونعيشها الى ان جاءنا «الربيع العربي» بسمومه التي تسربت تحت جلود مهترئة وعقول عشعش فيها عفن التفرقة ونعقت غربان التطرف من كل جهة . عشت ثلثي عمري في الشام والكويت والبحرين والإمارات دون ان اشعر بالغربة عن الاردن وطني الذي ربّاني وفلسطين التي انجبت ابي وجدي وجد جدي حيث لم تكن ثمة حدود ولا.. «اسرائيل»! في الشام كان الياسمين يصحو في دمشق وينام في حلب والناس عرباً عرب. الكويت كانت تسمي نفسها «بلاد العرب» وهي فعلا كانت كذلك، لا فرق بين سني و شيعي، وكذلك الامر في الامارات والبحرين. فكم من زميل شيعي زوجته سنية ، وزميلة شيعية زوجها سني، وفي كل تلك البلدان كان للمصري والاردني والسوري والفلسطيني والسوري والعراقي واللبناني والتونسي والمغربي وحتى الموريتاني ..لغة واحدة ، فرح واحد وهمّ واحد و..كانت فلسطين هي البوصلة والقضية . في بلادنا العربية لا حدود بين مدينة ومدينة، الجغرافية تقول هذا والتاريخ يشهد .هنا في بلدنا الاردن ،بين الفحيص وماحص لا تشعر أن ثمّة فرقا، ليس شعوراً بل فعلاً، لا فرق. حجارة نبتت بين شجر، أصبحت بيوتاً تحدّها من الشرق والغرب أسوار معلّقة من سهول وجبال، سهلة النزول والطلوع لمن يعشق العبق، من تحت شجر ومن فوق شجر. كلاهما قريبتان من السماء، وديانها على ارتفاع، وليس في القاع إلا ما سقى المطر. يقولون سأنزل إلى الفحيص، والحقيقة يجب أن يقولوا سأصعد، هناك الصعود قريب من الروح. شعور يأتيك بأنك فراشة بخفتها وألوانها ورغبتها في التحليق. رائحة تاريخ مُعطّر بالياسمين، حاضر مُفعَم باليانسون، صنوبر شاهق وحور وصفصاف، كان ذات يوم بذرة نقلتها طيور مهاجرة، أو عائدة من الهجرة، ربما عفويًا بمناقيرها وربما عمداً لتكون عشّها. لا تُدرك أنك خرجت من الفحيص، ودخلت إلى ماحص، إلا حين ترى لافتة على بناية مكتوبا عليها، بلدية أو مستشفى أو مقهى أو مخبز أو سوبر ماركت في آخرها...ماحص. حين تقرأ اللافتات على المحلات، لولا أنك ابن البلد لما ميّزت، وأنت فعلا لا تميّز وليس في الأردن من يميّز بين دين ودين، ومذهب ومذهب، الكلّ ابن البلد والبلد لكل ابنائه. هذا ليس شعارا بل حقيقة، فالتاريخ القديم يؤكد، والحاضر الواعي يشهد. هنا في الاردن، في اربد والكرك ومادبا والطفيلة والزرقاء وطبعا عمان، المسجد جار الكنيسة، الناس اخوة في وطن واحد، افراحهم واحدة واحزانهم واحدة..ومن يريد ان يتأكد ليذهب الى فرح او عزاء ويرى من هم المشاركون.الكل اخوة والعادات واحدة، فنجان القهوة العربية رمز الحزن لكن في الدم فرح الوحدة التي لم ينل منها حاقد او متطرف . الذين يراهنون على الفتنة في الاردن عميان لا يبصرون .لا يعرفون تاريخ البلد الذي منذ تأسس كان بيتاً للعرب وملاذا للمهجرين من بلاد لدغتها الافعى الاسرائيلية ،وحالياً، من بلاد يمزق أوصالها الفتنة وأذناب الفتنة . |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة