لُعِنْتَ يا أزيز الرَّصاص ..
28-09-2016 01:21 AM
بقلم: عبد الحافظ الحوارات
ما حدَثَ مع الصحفي ناهض حتّر والجريمة التي تمّت على دَرَجَات قصر العدل في عمان والدم الذي غطّى بلاط العدل برصاصات في وَضَح النهار في العاصمة أمرٌ غريب ، لن أتحدّث عن الجريمة ودوافعها والصراع الذي يدور حَوْلَها بَقَدَرِ حَدِيثِي عن سهولة استعمال السلاح واستساغة أسماعنا لأزيز صوته في شتّى أرجاء الوطن ، وبروزه في مشاهدٍ كثيفةٍ خلال الأسبوعين الماضيين في تحدٍّ سافرٍ وتصاعد مثير وذي دلالات هابطة باتت تُؤثّر على استقرارنا النفسي والاجتماعي .
يوشك أزيز الرصاص أن يجتاح الوطن من أقصاه إلى أقصاه ... في الجنوب يُستقبَلُ موكب أحدهم بإطلاق عَتَادٍ يكفي لإحداث ثقب صارخ في طبقة الأوزون ، وفي الشمال يعلو مستوى شدة الصوت بمقياس الديسيبل لينافس صوت الحرب في سوريا ، وللمرّة الأولى أشاهد طقوس دبكة "الجوفيّة"
التراثيّة وهيَ تُنَفّذ بالأسلحة الآليّة المُرْعِبَة احتفاءً بفوز صاحب السعادة ، وأمّا في الوسط الجغرافي فيأتي مسلسل الهلع بنكهة فريدة ، أحدهم يتهادى على دابّة كالبُراق قبل يومين وَسَطَ هتافات الانكشاريين ولَعْلَعَة الرصاص الذي أقضّ صداه مضاجع الرومان الراقدين في قبورهم بسلامٍ منذ الآف السنين وسط عاصمة الأمن والأمان ، أيُعقَلُ هذا ؟ .
أيها المسؤولون والحُكماء ، إنّ شعرة معاوية باتت رقيقة للغاية بين أزيز رصاصاتنا أكانت للسِّلْمِ أم للغوغاء ، تنثني تلك الشعرة تارة ناحية السلم وتارة أخرى نحو الغوغاء فتتداخل الحدود بين الفريقين ، وفي المُحصّلة المُرعِبة فإنّ الأذن التي تعتاد تلك الضوضاء لن يعنيها بعد ذلك التفريق بين أسباب الضجيج ولن تملك النفور منه ، ونخشى أن نتداعى حينها نحو انهيار دراماتيكي -لا قَدّر الله- في مشهد يتعطّش الكثيرون من دُعاة الخراب في خارج الوطن لمشاهدته كأنّما أمنيتهم الأخيرة قبل مغادرتهم الحياة .
كفى لرصاصٍ مُبكّر يستجلب السخط الشعبي على مجلس لم يبدأ مسيرته بعد ، ويهيئ الرأي العام للهتاف بِحَلِّهِ قبل الأوان ، وكفى لرصاص يعتدي على حرّية الآخرين في الحياة أو التعبير أو الاجتهاد في بناء الوطن كُلّ حسب رؤيته الفرديّة .
يا حكماء الوطن تداعوا لكبت أنفاس الأزيز وإخماد الضجيج لأسلحة "إذا لم تُصِبْ فإنّها حتما سَتُدْوِشْ " والتي إن نحن اعتدناها في حياتنا فلن نقنع أبدا بهيبة الدولة وسلطانها وعدلها الذي أصبح في دائرة الضوء والخطر .
عبد الحافظ الحوارات