من قال إننا مجتمع كراهية؟!
محمد حسن التل
28-09-2016 01:01 AM
عندما جاءني في ساعات الصباح الاولى من يوم الاحد الماضي خبر اغتيال ناهض حتر على يد متطرف لايمثل الاسلام والعروبة بشيء، قفز الى ذهني مقال ناهض حتر الذي يعتز به بنبوة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه كنبي عربي يمثل اصل المشروع العربي ، وأن الرسول الاعظم كما قال ناهض.. رائد النضال والثورة و التغيير في مجتمعاتنا العربية ،وتبادر الى ذهني ايضا ان ناهض حتر كان يعتبر العرب مسلمين ومسيحيين شركاء في الحضارة العربية الاسلامية.
* * * *
إذا كانت بعض الفئات التي امتهنت وسائل استخدام السوشيال ميديا وتسخير قدرتها على سرعة التواصل والانتشار لبثّ نوع من الأحقاد الشخصية والتي يملك أفرادها عُقَدَ نقص حادة يعبّرون من خلالها عن ظواهر غريبة علينا، لا يعني ذلك أن مجتمعنا تحوّل إلى مجتمع كراهية؛ بل ما زال مجتمعاً نظيفاً في غالبيته يعيش فيه الجميع تحت ظل دولة القانون، وسيادة ثقافة التعايش السلمي بين الجميع، وسيظل المسلم يعيش جاراً وشريكاً للمسيحي في هذه البلاد التي شهدت أروع صور التآخي بين مختلف الديانات والثقافات.
اننا في الأردن، مسلمين ومسيحيين، نعيش في كنف قيادة آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتظلُّ بجناحيها كل الأردنيين مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم، ولا تفرق بين مسلم ومسيحي في الحقوق والواجبات. لذلك علينا أن ندرك عظمة هذه النعمة ونحافظ عليها.
إن المتباكين على وحدتنا الوطنية قد بالغوا كثيراً في نعيها، وكأننا أصبحنا على شفا حرب كبرى بين مكونات الشعب الأردني الواحد.
إن المسيحيين في هذا البلد سيظلون جزءاً أساساً من نسيجه وثقافته، وشركاء في بنيانه، ولن يستطيع أي مجرم مهما كانت جريمته بشعة، كالتي ارتكبت بحق الكاتب ناهض حتر، أن يهز مقدار أنملة في نسيجنا الواحد، على الرغم أننا بتنا نسمع هذه الأيام أصواتا نشازًا هنا وهناك، يبحث أصحابها عن أدوار محاولين أن يُظهروا هذا المجتمع النظيف، وقد تفكّكت عراه واهتزت أركانه.
لقد قلنا - وسنظل مقتنعين - أن هناك بعض النخب تحاول أن تجد لنفسها مكاناً على الساحة العامة هي المسؤولة عما يحدث من تراشق بين بعض الأطراف في مجتمعنا لغايات في نفس يعقوب، باتت مكشوفة للجميع.
إن اغتيال ناهض حتر الاردني العربي لا يعبّر أبداً عن ثقافة مجتمعنا السائدة في السلم الاجتماعي الكبير، الذي نباهي به الدنيا، فما زال المسيحي يسكن عند المسلم،ويجاوره والمسلم ما زال يشارك المسيحي في عمله ويشاركه افراحه واحزانه، وسيظلون هكذا على المدى، فهم شركاء في الحضارة والثقافة والمصير والحياة بأكملها.
إن الذين يتباكون على وحدتنا الوطنية هذه الأيام عليهم أن يتذكروا آلاف السنين من الوحدة التامة بين أركان هذا المجتمع، والتآخي العميق بين أبنائه، وأن كل محاولات الدس والهدم لهذا البنيان باءت وستبؤ -بإذن الله- بالفشل الذريع؛ لأننا نؤمن كأردنيين عرب أقحاح أنه لا يمكن لهذا الوطن إلا أن يكون موحداً وجزءاً أساساً من أمته، بشقيها المسلم والمسيحي، ولأننا نؤمن كمسلمين أن دم المسيحي حرام كما هو دم المسلم، وأن إيذاءَه جريمة، وأن حياته مقدسة كما هي حياة أي إنسان حرّم الله إهدار روحه التي وهبه إياها.
علينا جميعاً -مسلمين ومسيحيين- أن نفرق بين التعصب والتدين، فالتعصب يقوم على الجهل والتخلف وتغذية الأحقاد، وينمو في القلوب السوداء، ويقود أهله إلى البغضاء والضياع، بينما يقوم التديّن على التواضع والحب والخير.
إن الأحداث الشاذة التي تخرج أحياناً من هنا وهناك تأتي نتيجة نقص في العقول والفهم الحقيقي لتعاليم الديانتين الإسلامية والمسيحية، فعلى المثقفين الواعين وعلماء ورجال الدين مسلمين ومسحيين في مجتمعنا أن يدركوا أن مهمتهم -هذه الأيام- صعبة وحساسة ودقيقة ولكنها مطلوبة، بل ومقدسة، لتوضيح الأمور وتثبيت الأركان؛ لئلا يدخل من بين الصفوف مندس حاقد، أو متعصب مجنون، يحاول خدش لوحتنا الجميلة في الوحدة والتآخي والتي رسمت على امتداد قرون طويلة. وسيظل مجتمعنا الأردني مجتمع محبة وإخاء، وسلام، فعلى المتباكين أن يتوقفوا عن نعيقهم حتى نفسح المجال لصوت العقل والضمير في رصّ الصفوف وتقوية البنيان؛ لتتمكّن الأجيال القادمة من العيش بأمان بعيداً عن اللهب الذي تطاول في كل ما حولنا من جغرافيا.
اننا مطالبون جميعا بالضرب بيد من حديد على رأس كل من يحاول تفتيت مجتمعنا وتحويله الى طوائف وشيع متناحرة، ولا عذر لاحد ان يقف متفرجا او محايدا ازاء هذه المحاولات الاجرامية، فكل واحد منا مسؤول أمام الله والتاريخ والاجيال القادمة.
الدستور