انه صراع ازلي ليس فقط بين العلم والجهل والعافية والمرض بل ايضا بين الجراد الذي يأتي على كل ما يصادفه خصوصا اذا كان من البراعم، لأنه لا يلحق الأذى فقط بالعناقيد والمحصول بل بما سوف يأتي في الموسم القادم !
ولو شئنا معادلا موضوعيا وبشريا لهذا الصراع فهو بين الاعتدال والتطرف، ذلك لأن التطرف انتحار حتى لو كان يمارسه آخر من يعلم لأنه من الطبيعي ومن صلب جدلية التاريخ ان يلد التطرف تطرفا آخر، تماما كما ينتج الظلم ظُلما، واذا كانت ردود الافعال في الفيزياء مساوية للافعال في القوة ومعاكسة لها في الاتجاه فإن للتاريخ منطقا آخر، حيث يكون رد الفعل احيانا اضعاف الفعل بسبب تراكم الغيظ والرغبة في الثأر والانتقام .
في لوحة شهيرة لفان كوخ تنقضّ سحابة سوداء من الغربان على حقل قمح، لكن القمح لم ينقرض من الطبيعة، وما ينقرض هو الغربان والجراد، لأن الانسان يملك مضادات ابادية لكل ما يهدد محاصيله وما تعب فيه آباؤه واجداده وما زرعوه ليحصده .
واذكر ان حوارا سينمائيا جرى بني سجين وجلاد، قال فيه الجلاد انه لو قتل فإن سلالته الدموية لن تنتهي فأجابه السجين قائلا انه لو مات من التعذيب فإن سلالته من الاحرار لن تنقرض وربما تضاعف عددها .
ولو قدر للعنف والتطرف ان ينتصرا في التاريخ لما كنا الان على سطح هذا الكوكب، ولتوقفت اول حضارة عند لحظة احتضارها، لكن ما حدث وسيحدث الى الأبد هو ان الشمس اقوى من الليل والجناح اقوى من المخلب والمهد اقوى من اللحد لأنه يولد من صلبه !!
الدستور