لست بحاجة للقول انني من رأسي الى اخمص قدمي اردني هاشمي ملكي الهوى ، و لا داعي للبحث في الاصول و الجذور لانها لا تعنيني و امقتها و هي سبيل تفتيت اصول القوى الايجابية لبناء الاردن الواعد ، و ابدء الدخول في موضوع شائك للبعض وفوق خطوط بنفسجية لا حمراء فقط و اطرح سؤال هو: من هم رجال السلطة في الاردن ؟ و الى اي مدى وصل فساد بعض منهم الى حدود لا تخطر على بال ؟ و ما هي دواعي احراجهم من قبل" سلطه داخلية اخرى " احيانا بقضايا يشوبها الشك لتبرأتهم و اعدادهم فيما بعد لمراحل قادمة .
هل هي مرحلة شد اذان او وضع حواجز للحد من طموحاتهم ؟ .
ان ذاكرة التاريخ لا تنام و لم تنم و مجرد تصفح اسماء في بورصة السياسة القديمة تؤدي الى اثبات ما أقول . و اكتفى الى هنا لاننا نعيش في الاردن و ليس في سويسرا .
قضايا تثار فقط لاظهار الديمقراطية و الشفافية و عدالة القضاء و احيانا تفرض غصبا و احراجا على الحكومات لمنفعة نائب او وزير دخل على خط الاستفاده و حرم منها فينتقم من زميله شريك "فساد السلطة " .
انها لعبة الثروة و السلطة و اقحام براعم بعضها يحلو له الفساد ومن ثم تقويتها في مؤسسات الدولة و دون ضوابط سلوكية . تارة بأسم التفاوض مع الاسلاميين ضد المنظمات الفلسطينية التى تتحكم في الساحة لمحاربة الوطن البديل، و تارة بأسم الدفاع عن الداخل و التفاوض مع اليساريين لكسر شوكة الاسلاميين ، و غيرها من احوال ساسة تصب في خانة اضعاف الدور الاردني الحقيقي ، و بالتالي فقد اسقط الخيار الاردني ( الاردن للاردنيين ) من الساحة و اصبح كل من يتحدث عن الاردن هو اقليمي و منحاز و منافق بل و راسب مسبقا في اي اتجاه .
في هذا الظل ، التجاذب بين التيارات المتصارعة و الاتفاق مع الواحد على الاخر و ثم الانقلاب في الاتجاه المعاكس برز للوجود فاسدون و مستغلو سلطة ،و ازدهرت سياسة المحاسيب للمسؤوليين و استغلوا فرصة السرقة تحت عيون الدولة و بموافقتها مقابل الوقوف في خانة "اليك " ، و هي خانة في لعبة طاولة الزهر وفي لعبة المحبوسة التى تؤدي الي الفوز حيث لا حراك للاحجار بعدها .
عودة الى الوراء قليلا ، اذكر انني قدمت محاضرة في نادي الشابات المسيحيات في جبل عمان منذ اكثر من عشرين عاما بعنوان " الانفاق و الاخفاق في المشاريع الحكومية الكبرى " و كانت هي بداية صفحة الاسئلة معي و التى لم تتوقف او تنته الى يوم كتابة هذا المقال ، بل هي التى دفعت بي للخروج من الاردن ، لقناعتي حينها بأن الزمن ليس زمن الحق ولا المصداقية . فقد كانت المشاريع الكبرى في يد الهوامير و لها حسابات خاصة و شراكات عالية و حتى يومنا هذا لم يتغير شيئا بعد ...!!! .
و اعتقد انه لن يتغير ، ليس تشاؤما و لكن حسب ما قال رئيس وزراء سابق : ان نسب الفساد في الاردن لا تتعدى الخمس بالمائة و هي نسبة مقبولة عالميا ، و كان هذا في فندق الهوليدي ان في العاصمة الاردنية بحضور رئيس وزراء ماليزيا . اذن هنالك اتفاق على هذا الفساد و نسبته و لكن باتجاه رجال السلطة المحسوبيين عليها . بمعنى ان من يريد ان يسرق لن يسمح له الا بموافقه مسبقه و علم ، وهذا زواج الفساد و السلطة و له ثمن يدفعه ابناء الشعب الكادح .
فكيف بمن يريد ان يكون مستقيما و يعمل في الحلال ؟ هل يوجد له مكان في هذه الساحة ؟ .
لا يستطع احد ان يمنع نفسه من المقارنه بين الحالين .
والفساد يبدأ و بدأ اصلا من دائرة العطاءات الحكومية التى وضعت يدها في يد نفر قليل من نقابة المهندسيين منذ سنوات تجاوزت العشرين ، عبر قائمة انتخابية استفاد منهابعض من موظفي العطاءات الحكومية و كان منهم من اصبح عضو هيئة الاستثمار و ممثل النقابه في شركاتها و احال على ابناء عمومته حقوق بيع و شراء الاسهم و استفاد و اياهم في الاراضي وصاحب ذلك حق في التجاوز على الراتب القانوني و كان الهرم النقابي المدفوع من الاجهزة التنفيذية انذاك مشغولا بمشاريع الحكومة و التى احالت عليه المشاريع و اهلته و رفعته و سمحت له و لمجموعة مقربه منه بالحصول على مشاريع بالملايين . وهى شراكه غير صحية بين اجهزة الدولة و بعض المكاتب الهندسية ادت الى اقصاء اخرين و ابعاد من هم خارج اطار لعبة التزاوج بين الامن و السياسة و الفساد . كانت النقابة و العطاءات جهة واحدة لعملة يعتقد البعض انها عملة فاسده .
في تلك المرحلة السابقة و تحت عيون الاجهزة التنفيذية كان الاهم هو اقصاء المنظمات الفلسطينية من النقابات السياسية تحت مسمى : مهننة النقابات و برز هنا المتسلقون ضمن رحم الدولة تحت مسمى " رجال السلطة في جيب الحكومة " وتمت محاربة الشرفاء و هم "كثر" بالمناسبة.
في هذا الزمن كانت على سبيل المثال " الكرك تعاني و بحاجة الى دعم لمهندسيها " و كانت فئة تحول الالاف من الدنانير الى الضفة الغربية ، و هو ايضا جزء من حسابات "متسلقي السلطة على حساب الاردن ".
و هنا اريد ان اتوقف و اطلب الي الجميع المساهمة في اعادة صياغة مفهوم من هو "رجل الدولة " ومن هم رجال السلطة و ماذا يعني نقابة مهنية ؟؟؟.
للاسف ، و بعد حادثة "ابو غيدا و غيرها التى تفتح حق الحوار القانوني ،يرى البعض انه ليس اول من احال و لا اول من استفاد ، ان صحت احالته على نفسه ، و يتجه اخرون الى تعريف النقابة بهذا الحال الى انها ، بمثل هذا الوضع ، "نقابة مهينة " و هو اقل ما يوصف به نقابة ساهمت في حينها بتصدير اعضاء مجلس ادارتها الى السلطة التنفيذية و الى جيوب و خزائن الدولة . فهل هذا يكفي ؟ . الجانب الاخر يرى ان السلطة التفنيذية استعادات من النقابة رجالها و امطرتهم بالمناصب و المكاسب.
البعض يرى ان مظاهر الفساد كانت واضحة لاجهزة الدولة المعنية ،بل و بعلمها ، و لم تلتفت لها حينها فقد كانت منهمكة في تقوية تيار على حساب اخر ، كل ما كان يعنيها هو الاستمرار في مسك عصا الاوراق النقابية بالزج برجالها التى استقدمتهم من دول مجاورة و تحالفت معهم بعد ان سلموا لها اسماء الفدائيين التابعين لتنظيمات فلسطينية و اوصلتهم الى العنق و اليوم تمنعهم الوصول الى الرأس .
هي انتهازية من بعض الاطراف ولا نقول مجتمعة ، سمحت بالاقتراب من اصحاب النفوذ و القرار و مع تغير الاوضاع قفزوا الى حضن السلطة .
ان ازمة محاسبة رجال السلطة اللذين اشتغلوا بجمع الاموال بطرق غير مباشرة امام الاجهزة الاخرى تفتح الباب واسعا اليوم لقضية "اداب سياسية " ، و لكنها ايضا مطالبة بالعودة الى ملف مكافحة الفساد و الذي كاد ان يضع اثنان من الهابطين على السلك الدبلوماسي لمرة واحدة في قبضة الامن و مكافحة الفساد بتهمة استغلال السلطة و التجنى من المنصب باحالة عطاءات بالملايين على شركات تخصهم و تخص اقاربهم . و لكن بخروج وزير ومدير كبير من السلطة التنفيذية و الذي كان بين يديهم و ثائق فساد هؤلاء ، استوحلوا فسادا و شراهه و اعتلت مراتبهم و ازداد ت حسابات بنوكهم .
قضية "شبهه فساد " ابو غيدا على سبيل الذكر لا الحصر و الكتابة عنها ليست اقليمية و يجب الا تكون ، فابو غيدا نقيب المهندسيين و وزير الاشغال و السفير في لبنان و رئيس مفوضية العقبة و الذي ينظراليه البعض و يصر على انه "حيفاوي درس في سوريا و تزوج منها " و اقترب من رئيس الحكومة على ابو الراغب ، و بالتالي استفاد من مرحلة كان يسميها البعض " الشبكة الشامية للتوزير " ، هو في الاصل موظف حكومي استفادت منه الاجهزة التنفيذية و هي التى اوصلته الى ما هو عليه و قدم خدمات تذكر له و بصمات جيدة في مواقع تسلمها لا يمكن انكارها له ، و لكن هنالك من يدفع باتجاه في النهاية ان محاسبته لا يجب ان تكون في خانة انه فلسطيني او اردني ، فهو مسؤول يرى رئيس الحكومة ان شبهه فساد تحوم حوله ، و هو مسؤول اردني رفيع المستوي ، ان ادين فهذا حق الدولة ، و ايداعه السجن ان ادين وارد و غير متسبعد ، كما و استعادة كل الاموال التى حصل عليها و غيره خلال فترات مختلفة و تجريده حق لا تنازل عنه ، و ان برئت ساحته فله حق ان نعتذر له جميعا .
في النهاية هو مسؤول اردني رهن التحقق من شبه فساد تحوم حوله ، و لكنه برئ الى ان تثبت بالطرق القانونية و الادلة انه مذنب .
و لكن قضية "تحقق العقبة " هي قضية هامشية بسيطة للمكتب الهندسي حقوق فيها مقارنه بقضايا اكبر يجرى الحديث عنها و تداولها ، و لو كانت الحكومة جادة في المحاسبة لا وقفت رئيس السلطة عن العمل يوم ايقاف المكتب الهندسي الى حين ظهور نتيجة التحقق و بحثت في كل العطاءات و ووجهت السؤال " كيف لك كل هذا ، و ليس من اين ، لان المصدر معروف ؟ " ، ان كان حقيقه الفساد على جدول اولويات شفافية المحاسبة و ان كان لديها ادلة وقرائن تثبت فساده.
البردعة و البحث فيها و عنها في زمن الصواريخ العابرة للقارات من "بيروت الى بون " ذر للرماد و تحفيز لجيش من الفاسدين للسير في الطريق الحريري بينما الشعب موحل في الطريق الصحراوي الرملاوي.
من نفسنا جميعا ان بعض الفساد في القطاع العام و الخاص يحارب و ينتهى بهم الحكم خلف الزنازين لما اقترفوه بغمضة عين ، لا التدحرج على نواه .
قلت سابقا ، قد يكون رئيس الحكومة استعجل في القرار ، لان الملف لم يستو بأكمله ، اليوم الخرج قد شطر ، و لا استبعد ان يعاد النظر في تكليف لجنة التحقق بما هو ابعد من مشروع "احالة " في عهد او في العقبة حيث حسب القانون يشوبه شك محاسبة ". و لكن هذا التكليف الجديد و المضاف يجب ان يأتي قبل اجازة العيد التى يملؤها المفاجأت .
و يتوقع مقربون من السلطة انه خلال ايام سيصدر كتاب لاحق للتكليف للجنة التحقق النيابية عنوانه :" تحققوا من مصادر الدخل و المشاريع التى احيلت بمجملها خلال كل الوظائف التى تقلدها " و هو ما سيفتح سيلا من الاسئلة قد تطول امين عام وزارة بلديات و امين عام وزارة اشغال .
جرأة الرئيس نادر الذهبي قد تقوده الى "انفاق " بعض المدافعين عن الفساد و رجاله ، و لكن التروي وارد حتى لا يفلت المتهمون و يصلوا الى مبتغاهم بترحيب من بعض رجال السلطة التشريعية و التنفيذية.
اهديكم سلامي و تهنئتي المبكرة قبل حكومة العيد و تغييراتها المرتقبة ، حديث شارع "السكن الكريم " في حارة الياروت .
aftoukan@hotmail.com