الثامن عشر .. والنكهة الغائبة
د. صبري ربيحات
27-09-2016 03:42 AM
في المجلس السابع عشر كان هناك خمسة نواب يحملون اسم مصطفى، لكل منهم لون مميز.. لقد أضفى كل من مصطفى الحمارنة ومصطفى العماوي ومصطفى الرواشدة ومصطفى شنيكات على المجلس نكهة خاصة أحسب انها اختفت بغيابهم عن المجلس الثامن عشر.
الوحيد بين المصطفين الخمسة الذي عاد الى المجلس هو النائب الشاب مصطفى ياغي أستاذ القانون والمحامي الذي اعتبر أحد الأحصنة السوداء في المجلس السابع عشر بعد فوزه بمقعد نيابي عن لواء عين الباشا وتحوله بسرعة لافتة إلى أحد أهم مرجعيات المجلس في التشريع، ولعب دورا مهما في تذكير الزملاء في اللجنة القانونية بروح القانون وفلسفة التشريع وبعض الجوانب الفقهية التي طالما تناساها البعض تحت تأثير وضغوط التكتلات والقوى المؤثرة على عملية التشريع.
أول المصطفين الذين غابوا عن المجلس الجديد هو الدكتور مصطفى العماوي الشخصية الغامضة صاحبة التكتيكات الفاعلة والمحسوبة على الوسط الإسلامي، غير البعيدة عن الأجهزة الأمنية وهو من المقلّين ممن يصعب التعرف على أفكارهم وتوجهاتهم، لكنه لعب أدوارا فاعلة في الإقناع والتأثير وجمع التأييد لبعض التشريعات والمواقف وقدرة هائلة على المناورة والتحول الذي يصعب على المراقب تحديد وجهته وموقفه إلا بعد اتخاذها. لقد كان مصطفى العماوي رئيسا للجنة القانونية التي ناقشت مشروع قانون الانتخاب وأدارت لجنته حوارات شملت كل القطاعات والقوى على مدار أشهر لينتهي الأمر بتمرير القانون كما ورد من الحكومة بعد أن جرت الجلسات الأخيرة للنقاش في قاعات مبنى الأعيان بعيدا عن الأضواء والتدخلات التي يمكن أن تؤخر المشروع الذي تقرر أن يسير العمل على انجازه بأقصى سرعة ممكنة. اليوم يغيب العماوي الذي كان أساسيا في تمرير القانون الجديد عن المجلس الجديد ويفقد المجلس أحد الأغضاء الفاعلين في الكولسة والتدبير ووضع خطط التمرير بأقل مستويات الضجيج.
الشخصية الثانية والأكثر جدلية هي شخصية الدكتور مصطفى الحمارنة أكثر الشخصيات النيابية تأثيرا. فقد استطاع مصطفى الحمارنة أن يوفر السلّم الذي أتاح لعبدالله النسور النزول عن الشجرة إبان مناقشات الثقة بحكومته بعد أن كان التوجه العام لدى المجلس السابع عشر يميل إلى اسقاط الحكومة، وقدم خطابا دراماتيكيا تحدث فيه بطريقة مؤثرة عن أنه فلسطيني من شرق النهر ودعا الى تكريس مبدأ مدنية الدولة وحقوق المواطن ودعا إلى الاشتباك الإيجابي مع الحكومة ليؤسس تيارا نيابيا تجاوز عدده العشرين نائبا ممن وفروا ضمانة ليجتاز النسور حاجز الثقة ويصعد إلى قارب النجاة ليتأكل التيار الذي تشكل على غرار حزب الشاي الأميركي وأطلق على نفسه "المبادرة النيابية" .
لقد ظل الحمارنة شخصية جدلية لافتة أحبه البعض وكال له الآخر كافة أنواع التهم والنعوت.
مهما اختلفت أو اتفقت مع الحمارنة فقد كان أكثر الشخصيات البرلمانية تأثيرا خلال عمر المجلس المنحل.
إضافة إلى الحمارنة والعماوي كان مصطفى الرواشدة القادم من نقابة المعلمين والذي عاصر اشتباكها مع الحكومة وتكللت جهود لجنته بموافقة الدولة على إنشاء النقابة أحد اكثر النواب اعتدادا بدوره وإنجازاته السابقة. كما كان محط اهتمام الحكومة والوزراء باعتباره شخصية جماهيرية مؤثرة في وقت لعب فيه الشارع أدوارا أساسية في الضغط على الحكومات وفلترة بعض قراراتها. لمرات كثيرة كان الرواشدة يُستدعى ليعطي رأيا ويخاطب الشارع باعتباره منحازا لمطالبه، لكنه ما لبث أن اندمج في الدور النيابي خصوصا بعد أن تعالت الأصوات التي اعترضت على استمراره في الدور النقابي إلى جانب البرلماني ما أدى إلى استقالته واتخاذه موقفا جديدا تجاه مجلس النقابة.
أما الشخصية الأخيرة من بين المصطفين فقد كانت شخصية مصطفى شنيكات النائب اليساري الذي انتخب للبرلمان منذ مطلع التسعينيات وعاد لأكثر من مرة ليمثل لونا يساريا منحازا ولو من الناحية الأيديولوجية للشارع. لقد كان الشنيكات جريئا وواضحا لم يتنكر لمبادئه وأفكاره وكان نقطة استقطاب يلتف حولها العديد من النواب عند بعض المواقف التي قد تلامس حياة الفقراء وعيشهم.
اليوم لا احد يشغل مقعد الشنيكات في المجلس بالرغم من دخول من يحملون نكهة مشابهة، فهو فلاح يعرف وجع المزارع وهموم الموظف وأحلام العاطلين عن العمل والآباء الذين انفقوا آخر مدخراتهم على رسوم الجامعات وبرامجها الاعتيادية والموازية.
مجلسنا الجديد يفتقر إلى تكتيكات العماوي واشتباك الحمارنة وجماهيرية الرواشدة وانحيازات الشنيكات، فلم يتبقَ منهم غير الياغي.
الغد.