اذا صحّ ما قاله تشرتشل وهو ان الديمقراطية شر لا بد منه او ما قاله جان جاك روسو عن اغتراب الناخب عن صوته بضع سنوات فإن ما انتهى اليه التاريخ حتى الان هو ان يكون البشر شركاء في صياغة مصائرهم، وألاّ يكونوا مجرد عجينة رخوة تتجول فيها السكاكين كيفما شات .
وفي العالم العربي لأسباب باتت محفوظة عن ظهر قلب فإن الثقافة البرلمانية بقيت في نطاق الصّناديق رغم ان الديمقراطية ثقافة وتربية اولا، ومناخات تصاحب الناس منذ الطفولة، واول درس في فِقْه الديمقراطية هو المعادلة الخالدة التي تتلخص في ادراك الانسان لحقوقه وواجباته معا، واذكر ان الكاتب عباس العقاد عندما دخل البرلمان المصري لأول مرة رفع شعار الحق والواجب، ومن المعروف انه دفع ثمن موقفه عدة مرات .
الثقافة البرلمانية ليست نظرية كالسباحة على السرير او على الرمل، انها ممارسة ومحاولات واخطاء قابلة للاستدراك، وهذه الثقافة بالتحديد لا تقبل حرق المراحل اذ لا بد ان تستكمل نصابها وعناصرها بالمران .
وما ينبغي على الناخب في اي زمان ومكان ان يدركه هو ان صوته هو عصارة مكوناته الذهنية والوجدانية والتفريط به هو بمثابة تفريط بأعز ما يملك، وهو بذلك يتعرض لأعسر اختبار وطني واخلاقي عندما يتعامل مع الاولويات التي لا تقبل التلاعب بها، وحين سمي رأي الناخب في النائب صوتا كان ذلك من ابلغ ما وُصِف، وما نحلم به هو ألاّ تكون الثقافة البرلمانية وادبياتها موسمية فقط، فما يلثغ بها الطفل في المدرسة والبيت وتصبح نمط تفكير واسلوب ممارسة فإنها تبقى مجرد طقوس اقرب الى الفولكلور، وفي المجتماعات المتقدمة والاكثر اعترافا بحقوق الانسان بدءا من حق التعبير تكون التربويات سواء مدرسية او منزلية اشبه بأمصال يلقح بها الاطفال ضد ثقافة الاحتكار وما يقترن بها من إقصاء، وما قاله تشرتشل عن الديمقراطية يذكرنا بما قاله الروماني شيشرون عن الزواج ... كلاهما شر لا بد منه .
الدستور