دولة قانون ومؤسسات لا دولة اغتيالات!
د. امل نصير
26-09-2016 09:41 PM
الصدمة التي تلقاها الشعب الأردني لم تكن بمقتل الكاتب ناهض حتر فحسب، ولكن بآلية القتل، ورمزية المكان.
فحتر كاتب مثير للجدل، وصاحب فكر ومواقف سياسية كثيرة يختلف الناس حولها، وقد تعرض لمحاولة قتل من قبل، وسجن مرات، لكنه استمر على نهجه وفكره، وهذا ديدن الشخصيات الجدلية في كل زمان ومكان.
موضوع الدين موضوع حساس يمس الفكر الجمعي للناس، ويتكاثر فيه المجتهدون والمفتون، وقد يرى متشدد أن من حقه الدفاع عن دينه، فيخالف أحكام الدين نفسه؛ لأن الرأي يقارع بالرأي لا بالرصاص والدم!
مهما اختلفنا مع حتر، فإن قتله بعيد عن أدب الاختلاف، وسابقة خطيرة، وثقب أسود في تاريخنا المعتدل، وبعد عن التسامح، وشكل من أشكال تأجيج الفتن... والمفارقة قتله وهو يترجل إلى بيت القضاء والعدل، رحم الله حتر، والعزاء لأسرته.
لكن الأمر الأكثر خطورة، ولا يمكن التهاون فيه هو الابتعاد عن القانون، وأخذ زمام تطبيقه من قبل الأفراد بدلا من مؤسسات الدولة المختصة، فأي فعل مخالف للقانون، يُعاقب عليه بموجب أحكام القانون، وبأيدي رجاله، وتنفذه أجهزة الدولة ذات الاختصاص لا غير.
واعتقاد شخص ما أنه مخول بذلك، هو فعل مخالف للقانون، ولا يجوز لأي مواطن أن يرتكبه في ظل وجود الدولة، وهو عودة إلى الجاهلية، وشريعة الغاب، وحينها لا أحد يصبح بمنأى عن الفوضى والتهديد.
من مميزات دولة القانون أن للفرد حقوقا كما للمجتمع، ولا بد من تحقيق التوازن بينهما، ومؤسسات الدولة المعنية منوط بها تحقيق هذا التوازن، والقضاء مرجعية الجميع.
أما أولئك الجالسون إلى جوانب حواسيبهم وهواتفهم يحرضون، ويذكون النار في جمر الأزمة، فهم يؤججون نار الفتنة التي تعم ولا تخص، فاليوم تحريض وغدا -لا قدر الله- شكوى وعويل، لاسيما في ظل فوضى الإقليم، والاستهداف للإنسان والأوطان، وانتشار الاحتقان المجتمعي الذي بات واضحا، يعكسه سلوك الناس اليومي، ومواقع التواصل الاجتماعي بوضوح.
التحديات الأمنية نزداد يوما بعد يوم، منذ جريمة البقعة النكراء، والاعتداء المتكرر على رجال الأمن، ولكنها تصبح أكثر خطورة إذا اتخذت طابعا طائفيا، فقتل حتر رسالة للدولة الأردنية نفسها، والحكومة التي باتت متهمة بالتقصير في حماية مواطنيها لا سيما أن حتر تلقى تهديدات كثيرة، والتقصير في حماية مؤسسة بحجم قصر العدل بما له من رمزية كبيرة.
والحكومات المتعاقبة مقصرة في منع إطلاق النار، ومن ثم القتل في مواسم الفرح التقليدية، ومواسم الانتخابات، فغض النظر عن الإطلاق الكثيف للعيارات النارية، ومن ثم القتل، والتساهل مع القاتل بحجة تنازل أهل المقتول عن حقهم هو عمليا تشجيع غير مباشر على حمل السلاح واستخدامه للقتل العمد أيضا.
وحتى لو تنازل أهل المقتول عن حقهم فلماذا تتنازل الدولة عن حقها، وحق المواطنين الآخرين؟ بل حق الوطن؟!
أليس إطلاق النار ممنوعا في القانون؟ فما فائدة وضع القوانين إذا غفلنا عن تطبيقها؟! ويصبح الأمر أكثر استفزازا وظلما إذا طبق على فئة دون أخرى، أو شخص دون آخر!
وحتى لو كانت جريمة قتل حتر فردية، فإن الفعل حينما يتكرر يصبح مقلقا، وخطرا، ويتحول الأمر إلى شديد الخطورة إذا كان خلف القاتل جهة ما دفعته إلى جريمته هذه.
وسواء صنفت جريمة قتل حتر ضمن الاغيال الديني أو السياسي، فإنها في حالة الاستعصاء السياسي التي يعيشها العالم العربي تؤشر على مظهر أخر من مظاهر هذا الزمن الرديء جدا، فلنحذر الفتنة، ولنتعاضد على حماية سلمنا الأهلي، فبالتسامح والحوار تنهض الأمم، وبالتعصب تنزلق في نفق مظلم.