رسالة الى روح .. ناهض حتر
د. عبير الرحباني
26-09-2016 04:06 PM
يقول السيد المسيح: "ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها، بل خافوا بالخزي من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم".
ربما لا اوفيك حقك بالكتابة مقارنة بما كُتب عنك وعن الجريمة النكراء بحقك.. وربما لا استطيع ان اعبر عن موقفي اتجاه ما حصل من فاجعة صادمة مقارنة بما قرأناه وسمعناه وشاهدناه من مواقف وكلمات صادقة معبرة عن ما في قلوب الاخرين اتجاهك من تقدير ومحبة لك وحزن عليك. وعلى الرغم من انني لا اعرفك معرفة شخصية لكني بكيتك بحرقة عندما شاهدتك تُقتل بيد الغدر والُجبن رمياً بالرصاص. فانا لم يغمر قلبي الحزن عليك كناهض حتر فقط، ولكن غمرني الحزن لانك ابن هذا الوطن بغض النظر عن الديانة التي تحملها.
حزينة لما وصلنا اليه في هذا الوطن بلد الامن والامان .. هذا الوطن الذي لا اشعر بالامن والامان الا وانا على ترابه الغالي.. هذا الوطن الذي تظلله قيادة هاشمية رشيدة وحكيمة.. هذا الوطن الذي افتخر واعتز بجيشه العظيم وبرجال امنه الساهرين على ادامة واستقرار الامن فيه، هذا الوطن الذي ينشد الوحدة الوطنية والتلاحم بين ابناء شعبه الواحد، في الوقت الذي تعيش فيه الدول المجاورة في دائرة اللهب والنار لتأتي بنا فئة متطرفة لتضع نفسها مكان العدالة وتحاسب كما تشاء وبالطرق التي تشاء.
حزينة جدا يا ناهض على دمائك التي سُفكت تحت سماء قصر العدل، وعلى ساحة العدل، وفي ارض العدل، وعلى ادراج العدل التي لُطخت بدمائك. حزينة لما وصلنا اليه من انهيار الانسانية، وانعدام الضمير، وموت الرحمة في قلوب الكثيرين.
فكل الاشياء يا ناهض اصبحت ملوثة من حولنا، فالواقع الذي نعيشه اكبر من قدرتنا على استقباله واستيعابه، واقع اختلط فيه الحابل بالنابل، واصبحنا نبحث عن الحقائق عبر الاجهزة الالكترونية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، ونرصد بعضنا ونتوعد لبعضنا الكترونياً الى ان تحول هذا الوعد والانتقام مؤخراً الى جرائم دموية على ارض الواقع وفي ساحة العدل.. وقللنا البحث في داخل انفسنا وداخل اعماقنا وجُردت ضمائر فئة من الناس من الرحمة والانسانية.
حزينة جدا الى ما وصلنا اليه يا ناهض من اتصال وتواصل اجتماعي ادى في النهاية لارتكاب جريمة كنت ضحيتها وضحية الوطن، جريمة لا تغتفر عند رب العالمين، جريمة سفكت دماءك امام قصر العدل. ولكن على الرغم مما حصل فالعدل سيبقى صامداً، والقانون سيبقى صارما قوياً.
ان دُماءك يا ناهض جعلتنا اليوم اقوياء اكثر، ومتلاحمين اكثر مما كنا عليه مسلمين ومسيحين امام كل من تسول له نفسه تفكيك وحدتنا الوطنية، وإشاعة الفتن ونشر خطاب الكراهية والتمييز. فلم تكن ردود بعض الافعال بما نشرته مجرد ردة فعل، بل هناك من ساهم في صناعتها الى حد كبير. فالفتنة نار يشعلها خبيث، ويروج لها الحاقد، ويصفق لها الاحمق، ويحترق بها الغافل.
واتساءل: لماذا تأتي قرارات بسن قوانين لمكافحة التمييز وخطاب الكراهية بعد ما حصل ما حصل من جريمة نكراء! لماذا آتت هذه القرارات متأخرة رغم ان هناك الكثيرين كانوا ينادون بها وينادون بتطبيقها!
لقد اثبت التاريخ ان الثورات التي يقوم بها حملة الخناجر والرصاص هي التي يفجرها حملة الاقلام. وبغض النظر عن توجهاتك وفكرك وكتابتك الا ان كاتبنا اليوم يا ناهض يرى حقائق كثيرة لكنه في النهاية يجد نفسه مرغماً بطريقة ما على ان يحمل مصباحه تحت المأساة الساطعة ويردد ( اين الحقيقة؟)، وإلا ردد الناس ( اين الكاتب فلان؟ رحمه الله)، الان فقط ايقنت وايقن الكثيرون بان الكلمة أشد وباء من المرض.
ولا يسعني الا اتقدم بأحر التعازي الى عائلة الفقيد وذوي الفقيد والى ابناء اهالي الفحيص والى كل فرد على ارض هذا الوطن الحبيب الغيورين عليه. لقد علمنا السيد المسيح التسامح والمحبة، فالتسامح اعلى مراتب القوة ، وروح الانتقام اعلى مراتب الضعف.
رحم الله ناهض حتر