القتل سهل وعادي جدا، ويمكن لأي شخص أن يصدر حكما أو فتوى ليقتل شخصا آخر، هكذا ما زال يفكر العائدون من كهوف الماضي ومن تجارب لجماعات اسلامية دمرت واحرقت اوطانا في افغانستان وسوريا والعراق، يفخرون بالقتل باسم الدين، ويتصورون بان الله قد منحهم تراخيص لقتل الاخرين.
هؤلاء القتلة يفاخرون بجرائمهم، ويعلنون على مرأى من الجميع بما يفكرون بعقولهم المخبولة والمتخلفة إزاء الدولة والمجتمع، ويقيمون حدودا على «الاخر » لمجرد اختلاف أو نقيض في الرأي، دون أن يفكروا أن ما يتورطون به ليس محط فخر أو اعتزاز انما جرائم تهدد المجتمع كله.
عملية اغتيال الكاتب ناهض حتر لها طابع منظم ومحترف، وتشبه عمليات الاغتيال التي اجتاحت مصر في نهايات القرن الماضي، الحادثة أيضا وقعت في منطقة حساسة بالقرب من قصر العدل، وهي من المناطق ذات الحساسية الامنية البالغة، العملية أكبر من عمل «ارهابي فردي »، فهي تكشف عن مستوى جديد من العمل الارهابي المنظم والمدرب.
الارهابي القاتل، نشر في الاعلام بانه ينتمي للتيار « السلفي المتشدد »، وهو يمثل غطاء تنظيميا فقهيا وفكريا ممتدد الصلة والعلاقة بنتظيمات اخرى تحارب على امتداد الصراع في بلاد مجاورة : العراق وسوريا وليبيا واليمن. العملية بكل ابعادها شكلا وإطارا تشكل نقلة جديدة في « ادارة التوحش ».
إنه لشيء مؤسف ومثير للفزع ومسيء جدا أن تطال ايدي القتل أصحاب الرأي والفكر، واصحاب القلم، فـ «حتر» كان خصما شرسا للتطرف والتكفير والارهاب، وفي طليعة من بادروا الى التصدي الى التطرف والارهاب والتحذير من مشروعه التأمري والتدميري للاوطان العربية، ودخل في سجالات واسعة واعتراك سياسي مباشر مع قوى وتيارات تناصر الارهاب والتطرف.
معركة التنوير الوطني في العالم العربي شهدت مساخر ومآسي كبيرة، شهداء كثيرون ذهبوا ضحايا للارهاب من قتل فرج فودة وشكري بلعيد ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ وتكفير نصر حامد ابو زيد واجباره على الهجرة عن وطنه، بعدما فشلت السلطة في توفير الحماية له، ليس لانها عاجزة لوجستيا، ولكن لا يمكنها الدفاع حتى النهاية عن خطابات تصدم العقل الواقع تحت سطوة الاصولية والتطرف والارهاب.
في معارك التنوير والحرية ضد الظلامية والتكفير، المفكرون والمثقفون هم فدائيون «مشاريع شهداء»، فرق الارهاب سرعان ما تسعى الى التخلص منهم بالقتل والتهديد والوعيد والتهجير، لأن المثقف الوطني الملتزم من الصعب أن يقف في هكذا معارك تاريخية على حياد أو أن يلعب دور المتفرج.
«عيون الارهاب والاصولية الساهرة » لا يهمها كل جمهور المتفرجين، الا حينما تشتد سلطة خطاب التنوير والحرية. معركة التنوير أفقيا وعرضيا تدور حول « الوطن » ومفهوم الدولة، فالتكفيريون يمسكون بايديهم واسنانهم لاقامة دولة الخلافة، وهذا ما يخلد في أذهانهم بعيدا عن كل خطابات التبرير : الاعتدال والوسطية المهادنة.
الدستور